سيأتي ـ تمايزا ماهويّا ، حيث إنّ الموضوع هنا ـ كما عرفت ـ عبارة عن تعلّق الأمر والنّهي بعنوانين ، والمحمول عبارة عن الجواز والامتناع.
غاية الأمر : هذا المحمول ثابت للموضوع ببرهان ومبدأ تصديقيّ خاصّ وهو السّراية واتّحاد الجمع أو عدمها وتعدّد الجمع وغير ذلك ، ولكن الموضوع هناك هو النّهي في العبادة ، والمحمول هو الإفساد وعدمه ، غاية الأمر : له ـ أيضا ـ برهان خاصّ ومبدأ تصديقي آخر غير ما في هذه المسألة.
وبالجملة : ليس الفرق بين المسألتين من جهة أنّ النّزاع في إحداهما صغرويّ ، وفي الاخرى كبرويّ ، كما عن بعض الأعاظم قدسسره (١) ؛ ضرورة ، أنّ النّزاع في كلتا المسألتين كبرويّ ، بل الفرق بينهما ماهويّ ، كما عرفت آنفا.
وقد ذكروا ـ أيضا ـ وجوها آخر للفرق بين المسألتين ، لا بأس بالإشارة إليها.
منها : ما عن صاحب الفصول قدسسره حاصله : أنّ المسألتين تتمايزان في المتعلّق ، حيث إنّ الأمر والنّهي في المسألة الحاضرة يتعلّقان بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة ، كالصّلاة والغصب ، بخلاف المسألة الآتية ، فإنّهما يتعلّقان فيها بأمرين متّحدين حقيقتا ، متمايزين بمجرّد الإطلاق والتّقييد ، كقوله : «صلّ ولا تصلّ في الدّار المغصوبة» وقد يعبّر عن هذا التّمايز بالتّمايز في الموضوع ، أو التّمايز من جهة المورد.
ومنها : أنّ تمايز المسألتين إنّما هو في المحمول ، بتقريب : أنّ المحمول في المسألة الحاضرة هو الجواز أو الامتناع عقلا ، فتصير المسألة اصوليّة عقليّة ، بخلاف المحمول في المسألة الآتية ، فإنّه عبارة عن دلالة النّهي على الفساد ، فتكون المسألة اصوليّة لفظيّة.
__________________
(١) راجع ، محاضرات في اصول الفقه : ج ٤ ، ص ١٦٤ و ١٦٥.