وعليه ، فيقال : إنّ الامتثال بجميع شئونه موكول إلى الأنظار العقلائيّة العرفيّة ، لا إلى الآراء الدّقيّة العقليّة ، ومن المعلوم : أنّه يحكم ببطلان المجمع العبادي مطلقا حتّى على القول بالجواز حسب نظر العرف ؛ وذلك ، لما يراه من أنّه يكون وجودا واحدا ، خلافا لما يراه العقل من كونه متعدّدا ـ مبغوضا مبعّدا عن ساحة المولى من جهة كونه منهيّا عنه ، وعليه ، فكيف يمكن أن يتقرّب به إلى ساحته!
وإن شئت ، فقل : إنّ مقام الامتثال غير مقام الجعل ، وأنّ مرحلة الإرادة التّشريعيّة المتعلّقة بالطّبائع ، غير مرحلة الإرادة التّكوينيّة المحقّقة للطّبيعة بوجودها الخاصّ ، والعقلاء يرون امتناع تحقّق الطّاعة بهذا الخاصّ الّذي يتحقّق به المعصية ، ويكون مبغوضا مبعّدا ، ولا أثر لتعدّد الجهة عندهم بالمرّة في مقام الامتثال ، ولعلّه لأجل ذا ، أفتى الفقهاء ببطلان الصّلاة في الدّار المغصوبة في المسألة الفقهيّة ، لا لأجل قولهم بالامتناع في المسألة الاصوليّة ؛ وذلك ، لاحتمال ذهابهم إلى الجواز في تلك المسألة بالنّسبة إلى مرحلة التّشريع والجعل ، وقد عرفت : عدم استلزامه للقول بالصّحّة في الامور العباديّة ، بل التّحقيق هو البطلان حسب الأنظار العرفيّة العقلائيّة.
ولقد أجاد الفقيه البروجرديّ قدسسره في ما أفاده في المقام ، حيث قال : «وليس في كلمات القدماء من أصحابنا اختيار الامتناع في المسألة الاصوليّة ، بل الموجود في كتبهم ليس إلّا الفتوى ببطلان الصّلاة في الدّار المغصوبة من جهة وقوعها مبغوضة ، فراجع كلام الشّيخ في العدّة ، وكذا السّيّد وأمثالهما ، وممّا ذكرنا ظهر ، أنّ نسبة الامتناع إلى المشهور من جهة إفتائهم ببطلان الصّلاة في المسألة الفقهيّة في غير محلّها». (١)
__________________
(١) نهاية الاصول : ص ٢٣٤.