عباديّته ذاتيّة لا يحتاج إلى الأمر ، نعم ، يحتاج إلى القصد ، كما هو واضح.
وإمّا يراد بها العبادة الشّأنيّة بحيث لو تعلّق الأمر به لكان تعبّديّا يسقط مع قصد القربة لا بدونه ، كالأوامر التّوصّليّة ، فظهر ممّا ذكرنا ، أنّ هذا هو المراد من العبادة ، لا العبادة الفعليّة حتّى يقال : كيف يجتمع النّهي عن العبادة مع كونها عبادة فعليّة ، هذا كلّه في العبادات.
وأمّا المعاملات ، فالمراد بها هو مطلق ما لا يعتبر فيه قصد القربة ، لكن بشرط أن يكون ممّا يعرضه الفساد والصّحّة ، فلا مجال لجريان النّزاع في ما يدور أمره بين الوجود والعدم ، كالمسبّبات ، نظير الملكيّة والزّوجيّة ونحوهما من الاعتباريّات البسيطة غير القابلة للفساد والصّحّة ، بل إمّا تكون متحقّقة موجودة أو منتفية معدومة بالمرّة.
وكذا لا مجال لجريان النّزاع في الأسباب الّتي لا ينفكّ آثارها عنها ، كبعض أسباب الضّمان ، نظير الإتلاف والغصب ، فإنّهما بمقتضى قوله عليهالسلام : «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» (١) وقوله عليهالسلام : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (٢) يوجبان الضّمان قهرا ، وكذا لا مجال لجريانه في ما لا أثر له شرعا ، كالنّظر إلى البحر أو الجبل أو السّماء ونحوها ، فهذا كلّه خارج عن حريم النّزاع ، لعدم تطرّق البطلان والفساد إليه حتّى ينازع في أنّ النّهي عنه ، هل يقتضي الفساد ، أم لا؟ (٣)
__________________
(١) متشابه القرآن : ج ٢ ، ص ٢١٨.
(٢) مستدرك الوسائل : ج ١ ، كتاب الوديعة ، الباب ١ ، الحديث ١٢ ، ص ٨.
(٣) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٢٨٧ ؛ وتهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣٢٦ ؛ ومنتهى الأفكار : ص ١٦٥.