بخلاف ما إذا لم يكن كذلك ، فلا يجري فيه النّزاع من حيث التّداخل وعدمه ، كما لا يخفى.
والأمر كذلك في المسبّب ، فإنّ مورد النّزاع فيه هو ما إذا كان قابلا للتّعدّد ، كالوضوء والغسل ونحوهما ، دون ما ليس كذلك ، كالقتل ، حيث إنّه لا يقبل التّعدّد عند تعدّد أسبابه ، كالارتداد والزّنا عن إحصان.
نعم ، قد يكون القتل متعلّقا لحقوق متعدّدة ، كما إذا ارتكبه شخص بالنّسبة إلى أشخاص متعدّدين ، فإنّ لكلّ واحد من ولي الدّم هنا حقّ القصاص مستقلّا ؛ بحيث لو أسقط أحدهم حقّه لم يسقط حقّ الباقين ، بل هو ثابت بالنّسبة إليهم ، غاية الأمر : لو اقتصّ منه مرّة واحدة بمطالبة أحد الأولياء ، سقط حقّ الباقين قطعا ؛ وذلك ، لا لأجل التّداخل ، بل لانتفاء الموضوع ، فلهم حينئذ أن يأخذوا الدّية من أمواله ، وقس على هذا سائر حقوق الله تبارك وتعالى ، فلا تداخل فيها ـ أيضا ـ بل تأكّد.
الجهة الثّانية : (بيان الفرق بين الأسباب الشّرعيّة والتّكوينيّة) فنقول : اعلم ، أنّ المقصود من الأسباب التّكوينيّة بجميع أقسامها ـ من البسيطة والمركّبة ، والتّامّة والنّاقصة ، والقريبة والبعيدة ـ هو كونها مؤثّرة مولّدة للأثر المسمّى بالمعلول والمسبب ، وهذا بخلاف الأسباب التّشريعيّة ـ كالوضوء والغسل والنّوم والعقل ودخول الوقت والاستطاعة ونحوها ـ فإنّها ليست بمؤثّرة ، بل المقصود بها ، إمّا هو الشّرط ، أو المانع ، أو القاطع ، حسب اختلاف الموارد.
توضيح ذلك : أنّ الأسباب الشّرعيّة لو كانت مؤثّرة ، لكان تأثيرها ، إمّا يكون بالنّسبة إلى الأحكام التّكليفيّة والوضعيّة ، أو بالنّسبة إلى متعلّقاتها ، أو بالنّسبة إلى موضوعاتها ، والجميع كما ترى.