أمّا الأحكام تكليفا كان أو وضعا ، فلعدم معقوليّة كونها معاليل للامور المذكورة ، سواء كانت ، بمعنى : الإرادات المبرزة ، أو الإرادة وحدة ؛ إذ هي كسائر الصّفات والأفعال لها مباد وعلل خاصّة ، كيف ، وأنّ الحكم ، بمعنى : البعث والزّجر المنشئين بالآلات والأدوات ، فعل صادر من المولى الحكيم ، فيكون كسائر أفعاله الاختياريّة ، ناشئا من مباديه الخاصّة ، لا من مثل الامور المذكورة.
وإن شئت ، فقل : إنّ البعث والزّجر من الامور الاعتباريّة العقلائيّة يقعان مقام البعث والزّجر التّكوينيين ، وعليه ، فلا يكونان معلولين لمثل ما ذكر من الامور.
وأمّا متعلّقات الأحكام ، وهي الأفعال الصّادرة عن المكلّفين اختيارا ، فلأجل أنّه لا معنى لأن يكون شيء من المذكورات علّة فلسفية لتلك الأفعال الاختياريّة ، كما هو واضح.
وأمّا موضوعاتها ، فلوضوح أنّها من الأعيان الخارجيّة النّاشئة من عللها ومباديها التّكوينيّة بلا دخل لمثل النّوم وغيره من الأسباب الشّرعيّة في إيجادها ، وهذا ممّا لا يخفى.
ونتيجة ذلك كلّه ، هو أنّ الأسباب الواردة في الشّريعة ليست بعلل تكوينيّة ، بل هي إمّا تكون من قبيل الشّروط للمتعلّق ، كالوضوء والغسل واستقبال القبلة وستر العورة بالنّسبة إلى الصّلاة ، أو لمتعلّق المتعلّق (موضوع الحكم) كالعقل والقدرة بالنّسبة إلى المكلّف الّذي هو موضوع الحكم ، كما عن المشهور. (١)
__________________
(١) هذا ، ولكن الأحسن أن يقال : التّكليف قانون عامّ متوجّه إلى قاطبة العاقلين القادرين ، فلو لا العقل والقدرة لا يدخل الشّخص تحت ذلك القانون ، ولا يكون شاملا له ، وقد مضى في مبحث التّرتب ما ينفعك هنا ، فراجع.