قبل الورود في بيان الأقوال في المسألة ، وتعيين ما هو الحقّ المختار فيها ، لا بدّ من تحرير محلّ النّزاع.
فنقول : لا إشكال ولا نزاع في عدم لزوم الفحص عن المخصّص المتّصل ، بل يعمل بالعامّ من غير فحص عنه ؛ إذ احتمال أنّ هذا المخصّص كان ولم يصل إلينا ممّا لا يعتني به العقلاء ، سواء كان لأجل احتمال إسقاطه عمدا ، أو إسقاطه سهوا ونسيانا ؛ ضرورة ، أنّ الإسقاط العمدي ممنوع عند العقلاء بوثاقة الرّاوي ، كما أنّ احتمال الإسقاط السّهوي أو النّسياني ـ أيضا ـ ممنوع عندهم بأصالة عدمهما.
ولقد أجاد المحقّق الخراساني قدسسره فيما أفاده في المقام ، حيث قال : «ثمّ إنّ الظّاهر عدم لزوم الفحص عن المخصّص المتّصل باحتمال أنّه كان ولم يصل ، بل حاله حال احتمال قرينة المجاز ، وقد اتّفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به مطلقا ولو قبل الفحص عنها ، كما لا يخفى». (١)
وعليه : فالنّزاع في المقام منحصر بالمخصّص المنفصل بلا فرق بين أن يقال : ـ في عنوان المسألة ـ هل يجوز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص؟ أو يقال : ـ كما عن المحقّق الخراساني قدسسره ـ هل يكون أصالة العموم متّبعة مطلقا ، أو بعد الفحص عن المخصّص؟
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني قدسسره قد ضمّ بعض الامور إلى محلّ النّزاع ؛ منها : اعتبار أصالة العموم وحجّيّتها بالخصوص من باب الظّن النّوعي ، لا الظّن الشّخصي ؛ إذ لو كان المناط في حجّيّة الظّواهر هو الظّن الشّخصي ، لكان النّزاع في وجوب الفحص
__________________
(١) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٣٥٣ و ٣٥٤.