لا خطابات شفاهية في القرآن الكريم حتّى يبحث عن شمولها للغائبين بل المعدومين وعدم شمولها لهم ؛ وذلك ، لأنّ المشافهة إنّما هو بمعنى : المخاطبة ، وواضح ، أنّ خطاباته تبارك وتعالى النّازلة على قلب رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم تكن موجّهة إلى عباده حتّى الحاضرين في مجلس الوحي ، فضلا عن الغائبين والمعدومين ؛ ضرورة ، أنّ الوحي بنصّ القرآن (١) إنّما نزل على شخص الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يكن كلامه تبارك وتعالى مسموعا لأحد من الامّة ، بل يمكن أن يقال : بعدم وصول خطاب لفظيّ منه تعالى إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا واسطة ، إلّا أحيانا ، حيث إنّ نزول الوحي كان بواسطة أمينه «جبرئيل عليهالسلام» فهو كان حاكيا لخطاباته تبارك وتعالى بلا كونه ـ أيضا ـ طرفا لمخاطبة الله تبارك وتعالى.
وبالجملة : لم يكن هناك خطاب لفظيّ منه تبارك وتعالى إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم كما لم يكن إلى الامّة قطعا ، بل الخطابات القرآنيّة ، كخطابات كتبيّة ونحوها الدّراجة في القوانين العرفيّة الخاصّة والعامّة ، فإنّ المقنّن في تلك القوانين بعد جعلها وإنشاءها يبلّغها بالنّشر في الكتب والجرائد وغيرهما ، فيعمّ كلّ من كان ، أو يكون ، أو سيكون ، أو سوف يكون ، واجدا للشّرائط بحسب وقته المناسب له ، فلا خطاب لفظيّا هنا ، ولا حاجة إلى مخاطب حاضر يشافهه ، هذا كلّه واضح.
ثمّ إنّه انقدح بما ذكرنا : من أنّ الخطابات القرآنيّة أشبه بالخطابات الكتابيّة ، وأنّ نسبة الأوّلين والآخرين إليها سواء ؛ أنّه لا حاجة إلى التّمسّك بالقضيّة الحقيقيّة
__________________
(١) وهو قوله تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ :) سورة الشّعراء (٢٦) : الآية ١٩٤.