والعامّ هنا ، نظير قوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ)(١) فلا شبهة في أنّ هذا العامّ يخصّص بالمفهوم المذكور ، فيستثنى منه تزويج ذات البعل ، كما يستثنى منه تزويج ذات العدّة.
إذا عرفت هذا المثال ، فاعلم ، أنّ المسألة ذات قولين : أحدهما : جواز تخصيص العامّ بالمفهوم المخالف ؛ ثانيهما : منع ذلك.
أمّا القول الأوّل : فقد استدلّ له بأنّ المنطوق العامّ دليل شرعيّ قد عارض مثله وهو المفهوم الخاصّ ، فلو قلنا : بالتّخصيص يتحقّق الجمع بين الدّليلين وهو أولى من طرحهما.
واجيب عنه ، بأنّ الجمع بينهما ، كما يمكن بتخصيص العموم وإلغاءه ، كذلك يمكن بإلغاء المفهوم ، فلا بدّ في ترجيح أحدهما على الآخر من مرجّح وهو مفقود هنا ؛ إذ مجرّد ما ذكر من «الجمع أولى من الطّرح» لا يصلح للتّرجيح ، كما لا يخفى.
أمّا القول الثّاني : فقد استدلّ له بأنّ العامّ أقوى من الخاصّ ؛ وذلك ، لأنّ العامّ يستفاد من المنطوق ، والخاصّ من المفهوم ، وواضح أنّ المنطوق ولو كان عامّا أقوى من المفهوم ولو كان خاصّا ، فلا وجه حينئذ لتقديم الخاصّ بارتكاب التّخصيص لفقد ملاك التّقديم وهو الأقوائيّة ، بل لا يصل الدّور حينئذ إلى المعارضة بينهما.
وفيه : أنّ مجرّد كون المنطوق ملاكا للأقوائيّة ، والمفهوم ملاكا للأضعفيّة محلّ منع ، كما لا يخفى على المتتبّع.
هذا ، ولكنّ الحقّ في المسألة يقتضي أن يقال : إنّه لا فرق في الخاصّ المعارض
__________________
(١) سورة النّساء (٤) : الآية ٢٤.