وثانيا : أنّه لا مقابلة بين الكتاب والخبر من جهة السّند كي يلزم المحذور المذكور ، بل تقع المقابلة بينهما من جهة الدّلالة ، وأنت تعلم ، أنّ الكتاب ـ أيضا ـ كالخبر ، ظنّي الدّلالة ، وعليه ، فلا مناص من رفع اليد عن عموم الكتاب وظهوره في العموم بظهور الخبر الخاصّ المعتبر ، لكونه نصّا أو أظهر.
ثانيها : أنّه لو ثبت جواز تخصيص الكتاب بالخبر ، لثبت جواز نسخه به ـ أيضا ـ والتّالي باطل قطعا ، وكذلك المقدّم ؛ وجه الملازمة هو أنّ النّسخ ـ أيضا ـ تخصيص إلّا أنّه بحسب الأزمان ، وهذا المقدار لا يوجب الفرق بينه وبين التّخصيص المصطلح الّذي يكون بحسب الأفراد ؛ أمّا وجه بطلان التّالي ، فهو وجود الإجماع القطعيّ عليه.
وفيه : أنّ الملازمة ممنوعة ، لقيام الإجماع من الفريقين على عدم جواز نسخ الكتاب بالخبر الواحد ، لا تعبّدا ، بل من باب أنّه لو كان لاشتهر وبان ، لوضوح كثرة الدّواعي وتوافرها إلى ضبطه ؛ ولذا قلّ الخلاف في تعيين موارده ، بخلاف التّخصيص ، وحيث إنّ المفروض عدم اشتهار النّسخ ، يستكشف منه عدم وجوده ؛ ولأجل ذلك لو دلّ خبر واحد على النّسخ ، فلا بدّ إمّا من الالتزام بطرحه أو حمله على الكذب وغيره.
ثالثها : أنّ حجّيّة الخبر الواحد ثابتة بالإجماع الّذي هو من الأدلّة اللّبيّة ، فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن منه وهو حجّيّة الخبر في غير مورد المعارضة مع الكتاب.
وفيه : أنّه يمنع عن ثبوت حجّيّة الخبر من طريق الإجماع ، بل إنّما هي ثابتة من بناء العقلاء وقيام السّيرة منهم ، كما تثبت بذلك ـ أيضا ـ حجّيّة العمومات