الثّالث : إنّه ليس للإطلاق في الاصول اصطلاح خاصّ ، بل يراد به هنا معناه اللّغوي ، وهو الإرسال وعدم التّقييد بشيء في قبال التّقييد ، غاية الأمر : يبحث في الاصول عن عدّة من الأسماء بأنّها هل هي من المطلقات ، أم لا؟ فالإطلاق ليس تقييدا بشيء أصلا ولو كان ذلك الشّيء هو الشّياع والسّريان حتّى يكون وجوديّا ، بل الإطلاق هو رفض القيود كلّها حتّى قيد السّريان ، ولا ريب : أنّ ملاك إطلاق الطّبيعة على هذا هو عدم لحاظ أمر آخر معها ، وهذا الوجه هو الحقّ المختار.
والنّتيجة : أنّ الإطلاق لا يكون ملاكه هو لحاظ السّريان ـ كما عرفت في الوجه الثّاني ـ بل هو عبارة عن عدم لحاظ شيء آخر ـ أيّ شيء كان ـ مع الطّبيعة ، بمعنى : أنّ الطّبيعة المهملة إذا لوحظت بنفسها مع عدم لحاظ أمر آخر معها ، سمّيت مطلقة ، ونعت بوصف الإطلاق.
ومن الواضح : أنّ السّريان والانطباق على جميع الأفراد لا يكون كالأعراض المفارقة ، بل يكون من شئونها ، لكون الطّبيعة عين الأفراد وهي واحدة في نشأة الذّهن وعالم الباطن ، وكثيرة في نشأة الخارج وعالم الظّاهر ، وهذا ليس بمعنى أخذ مفهوم السّريان في الطّبيعة ودخله في وضعها بنحو الشّطريّة أو الشّرطيّة ـ كما عرفت في الوجه الأوّل ـ بل يكون نظير الزّوجيّة للأربعة ، أو الفرديّة للثّلاثة ، وكيف كان ، هذا مطلب آخر ، عقليّ فلسفي ، أجنبي عن العرف واللّغة ، هذا تمام الكلام في مقام الثّبوت.
فقد عرفت فيه : أنّه على الوجه الأوّل يكون الإطلاق جزءا للموضوع له ؛ وعلى الوجه الثّاني يكون عرضا مفارقا لا بدّ من لحاظه ؛ وعلى الوجه الثّالث