وأمّا بالنّسبة إلى الوجه الثّاني ، فهو أنّ دليل المقيّد لو كان قرينة على تعيين المراد من المطلق ، لم يصدق عنوان البلوغ على المطلق كي يكون المطلق موضوعا لأخبار من بلغ ، على أنّ مفاد هذه الأخبار ليس هو استحباب العمل ، بل الأخبار إرشاد إلى ما استقلّ به العقل من حسن الإتيان بالعمل البالغ عليه الثّواب برجاء إدراك الواقع.
فتحصّل : أنّ الحقّ هو عدم الفرق بين الواجبات والمستحبّات ، فلا بدّ من الالتزام بالحمل في بعض الموارد المستحبّة ، أيضا.
منها : ما إذا كان دليل المقيّد ذا مفهوم ، نظير ما إذا دلّ المطلق على استحباب صلاة اللّيل ، ودلّ المقيّد على استحبابها إذا أتى بها بعد نصف اللّيل ، بناء على كون الشّرط ذا مفهوم.
ومنها : ما إذا كان دليل المقيّد ناظرا إلى المانعيّة أو الشّرطيّة ، نظير ما دلّ المطلق على استحباب الإقامة ، ودلّ المقيّد على النّهي عنها حال الجلوس ، أو الحدث وعدم الطّهارة.
ففي هذين الموردين ، لا مناص من حمل المطلق على المقيّد ، لإحراز وحدة المطلوب فيهما ووجود التّنافي بينهما.
نعم ، لا يجب الحمل في بعض موارد أخر ، لعدم إحراز وحدة المطلوب فيها وعدم وجود التّنافي ، مثل : «زيارة إمامنا الحسين عليهالسلام» حيث إنّه وردت مطلقات تدلّ على استحبابها ، ومقيّدات تدلّ عليه في أوقات خاصّة.
وأنت ترى ، أنّ المفروض هنا ، كون المكلّف مرخّصا في ترك القيد ، فلا تنافي في البين ، ولا ملزم للحمل ، إلّا أن يستفاد المفهوم وأنّه لا استحباب في غير تلك الأوقات.