ومن هنا ظهر : أنّه لا يصغى إلى ما افيد في وجه التّخيير الشّرعيّ من سقوط تكليفي الضّدّين والإرادتين المتعلّقتين بهما معا في موقع التّزاحم وحدوث تكليف آخر وإرادة اخرى تشريعيّة تخييرا.
بتقريب : أنّ بقاء أحد التّكليفين بخصوصه مع كون الآخر مثله في الملاك ترجيح بلا مرجّح ، وبقاء أحدهما لا بعينه غير معقول ، وإهمال كلتا المصلحتين وعدم استيفاء واحدة منهما قبيح لا ينبغي صدوره عن العاقل فضلا عن الحكيم الكامل.
فيستكشف من هذا كلّه إرادة اخرى ثالثة تشريعيّة تخييريّة.
وجه عدم الإصغاء إلى هذا المقال ، هو ما أسمعناك آنفا ، من بيان حقيقة التّخيير ، فراجع.
ثمّ إنّه قد استدلّ لإثبات كون التّخيير عقليّا بوجهين :
الأوّل : أنّ التّزاحم يوجب سقوط خطابي الضّدّين معا ، وحيث إنّ العقل يرى وجود الملاك الملزم في كلّ منهما حكم بإلزام المكلّف لتحصيل أحدهما تخييرا.
وفيه ما عرفت آنفا : من أنّ التّزاحم لا يوجب سقوط كلا الخطابين مطلقا ، بل يقتضي سقوط إطلاقهما ، بمعنى : أنّ مقتضاه ، هو أنّ كلّ واحد منهما يجب تعيينا ، لكن لا مطلقا ، بل في حال عدم الآخر المضادّ المزاحم له.
الوجه الثّاني : أنّ كلّا من الخطابين يكون تامّ الإطلاق لا يمنع عن الأخذ به إلّا العجز عن الجمع ، فيستكشف من ذلك عدم إرادة كلّ واحد منهما في صورة العجز ، والمفروض ، أنّ الإرادة المتعلّقة بكلّ منهما في صورة عدم الآخر ، لا مانع منها حيث لا عجز عن الامتثال حينئذ ، فالعقل يقيّد إطلاق كلّ حكم ، بأنّه يجب حال عدم إتيان