الآخر ، فيصير هذا التّقييد العقليّ ، كاللّفظي ، نظير قولنا : أنقذ هذا الغريق إذا لم تنقذ ذاك أو ذلك الغريق.
وعليه : فيبقى كلّ من الخطابين بحاله ، ويستقلّ العقل بالتّخيير بينهما ، وبهذا السّبب يكون التّخيير عقليّا.
وفيه ـ أيضا ـ ما قد عرّفناك : من أنّ التّخيير العقلي إنّما هو بين الامور المتكافئة المندرجة تحت جامع واحد يكون هو متعلّق للتّكليف ، لا تلك الامور ، والمقام ليس كذلك ؛ إذ التّكليف تعلّق بالامور المتباينة المتضادّة ، فيكون التّخيير شرعيّا.
وبعبارة اخرى : أنّ متعلّق كلّ من الخطابين يكون مبائنا لمتعلّق الآخر مضادّا له ، وبعد تقييد إطلاق كلّ منهما بالآخر ، يستفاد أنّ الشّارع قد أمر بكلّ من الضّدّين على وجه التّخيير ، وقد عرفت : أنّه لا فرق فيه ، بين أن يكون بدليل واحد ، أو دليلين ، وبين أن يكون الأطراف متّحدة الملاك ، كما في التّخيير العقليّ ، أو مختلفة الملاك ، كما في التّخيير الشّرعيّ.
ثمّ إنّ المحقّق النّائيني قدسسره (١) ذكر أنّه تظهر الثّمرة بين القولين في عدّة امور ؛ ولكن لا حاجة إلى ذكر الجميع ، حيث إنّه لا ينبغي صرف الوقت وإتعاب النّفس في نقل أمثال هذه الثّمرات ونقدها ، ولذا نكتفي بذكر واحد منها والنّقد عليه.
أمّا الثّمرة ، فهو أنّ القول بالتّخيير الشّرعيّ يقتضي عدم استحقاق تارك الخطابين إلّا عقابا واحدا ، بخلاف القول بالتّخيير العقليّ ، فإنّه يقتضي أنّ تاركهما يستحقّ العقابين ، كما يستحقّهما لو ترك الضّدّين على القول بالتّرتّب.
__________________
(١) راجع ، أجود التّقريرات : ج ١ ، ص ٢٧٩.