ولا ريب : أنّ القسم الأوّل خارج عن التّرتّب وأجنبيّ عنه ؛ لعدم اجتماع الخطابين الفعليّين في زمان واحد ، بل لا يمكن أن يكون كلّ منهما فعليّا ؛ إذ المفروض ، أنّ أحدهما رافع لموضوع الآخر ، فيكون مقدّما عليه ، ومعه كيف يتحقّق التّزاحم بينهما حتّى يعالج بالتّرتّب وغيره؟!
وأمّا القسم الثّاني : فهو محلّ البحث في مسألة التّرتّب ؛ ضرورة ، أنّ أحد الخطابين لو لم يتحقّق امتثاله المفروض كونه رافعا لموضوع الآخر ، يكون هناك الخطابان الفعليّان في زمان واحد ، لعدم ارتفاع موضوع الخطاب الآخر حينئذ.
هذا كلّه في الوجه الأوّل الّذي استدلّ به على إمكان التّرتّب ، وقد سمّي هذا ب «الدّليل الإنّي» نظرا إلى أنّ وقوع التّرتّب في الخارج كاشف عن إمكانه ، كما عرفت.
أمّا الوجه الثّاني : وهو الّذي قد سمّوه ب «الدّليل اللّمّي» فحاصله : أنّ الحكم يدور مدار الملاك وجودا وعدما ، حدوثا وبقاء ، ولا ريب : أنّ الملاك موجود في كلّ من الضّدّين المتزاحمين ، فالحكم كذلك ؛ إذ المفروض ، عدم دخل القدرة في الملاك ، فالصّلاة ـ مثلا ـ لا تدور معراجيّتها مدار قدرة المكلّف ، بل تكون معراجا مطلقا. غاية الأمر : لا يقدر العاجز أن يعرج ، ألا ترى أنّ السّلّم يكون معراجا للصّعود على السّطح ، إلّا أن العاجز لا يقدر عليه.
وعليه : ففي المقام يكون لكلّ من الإزالة والصّلاة ملاك وحكم ، ولكن بما أنّ المكلّف لا يقدر على الجمع بينهما لأجل المزاحمة ، فلا إطلاق للخطابين معا ، بل يقيّد أحدهما وهو المهمّ عند الامتثال بعصيان الآخر وهو الأهمّ ـ بنحو الشّرط المتأخّر ـ أو بالبناء على عصيانه ـ بنحو الشّرط المقارن أو المقدّم ـ وهذا هو التّرتّب.