وما يقال : من أنّ الوجدان حاكم بأن الطّلب يتعلّق ببعض الأعدام ، ففيه مغالطة حاصلة من أخذ ما بالعرض مكان ما بالذّات ، حيث إنّ وجود الشّيء قد يكون مبغوضا لما فيه من الفساد ، فينسب المحبوبيّة إلى عدمه بالعرض ، فيقال : «إنّى أطلب واحبّ عدمه» مكان «إنّى اكره وأبغض وجوده» كما أشار إليه الإمام الرّاحل قدسسره. (١)
وعلى هذا ، فلا مجال لما عن المحقّق الخراساني قدسسره (٢) وغيره من طرح النّزاع في أنّ متعلّق النّهي ، هل هو الكفّ أو التّرك ، ونفس أن لا يفعل ؛ إذ أحد طرفي النّزاع هو التّرك والعدم ، وقد عرفت آنفا ، من عدم إمكان تعلّق الطّلب به ، لا برهانا ولا وجدانا.
وأمّا مقام الإثبات ، فلأنّ مادة النّهي لا تدلّ إلّا على نفس الطّبيعة ، كمادّة الأمر بلا تفاوت بينهما أصلا ، فتكون أجنبيّة عن دلالتها على الطّلب.
وكذلك هيئة النّهي ، فإنّه لا تدلّ إلّا على المنع والزّجر عن الطّبيعة والماهيّة تشريعا ؛ وذلك ، لاشتمالها على المفسدة ، كما أنّ مفاد هيئة الأمر ـ أيضا ـ هو الإغراء بالطّبيعة والبعث إليها تشريعا لأجل اشتمالها على المصلحة.
وعليه : فلا دلالة لهيئة النّهي على الطّلب ، نعم ، لازم دلالتها على المنع والزّجر عن الطّبيعة هو طلب التّرك ، وهذا ليس إلّا بالنّظر المسامحيّ العرفيّ من باب المطلوبيّة العرضيّة ، كما أنّ لازم البعث إلى الطّبيعة والإغراء بها هو طلب الفعل والوجود كذلك.
__________________
(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٢٩٤.
(٢) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٣٢٢.