ثمّ قال قدسسره : «فالأولى أن يقرّر هكذا ، إنّا لا نجد في عقولنا بعد التّأمّل ما يوجب الاستحالة ، وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالإمكان» (١).
هذا ، ولكن التّحقيق في المقام يقتضي التّكلّم في جهات ثلاث :
الاولى : في أنحاء الإمكان.
الثّانية : في ما هو المراد من الإمكان الماخوذ في المسألة.
الثّالثة : في ضعف ما قرّره الشّيخ الأنصاري قدسسره.
أمّا الجهة الاولى : فالإمكان ، كما ثبت في محلّه ، له انحاء ستّة :
أحدها : الإمكان الذّاتي ، وقد يعبّر عنه بالإمكان بالذّات ، قبال الامتناع الذّاتي الّذي يعبّر عنه بالامتناع بالذّات.
ثانيها : الإمكان الاستعداديّ الّذي موضوعه هي المادّة الموجودة وهو غير الإمكان الخاصّ الماهويّ الّذي موضوعه هي الماهيّة ، فالإمكان الخاصّ وصف عقليّ لا يتّصف بقرب وبعد ، ولا بضعف وشدّة ، بخلاف الإمكان الاستعداديّ فهو وصف وجوديّ يقبل به المادّة الصّور والفعليّات المختلفة ، والقرب والبعد ، والضّعف والشّدّة.
ثالثها : الإمكان الاستقباليّ الّذي هو سلب جميع الضّرورات حتّى بشرط المحمول ، وهذا النّحو يكون في الامور المستقبلة بالنّسبة إلى من لا علم له بها ؛ لعدم علمه وإحاطته بالعلل والأسباب الدّخيلة.
رابعها : الإمكان الوقوعيّ ، بمعنى : كون الشّيء بحيث لا يلزم من وقوعه محال قبال الامتناع الوقوعيّ ، بمعنى : كون الشّيء بحيث يلزم من وقوعه محال.
__________________
(١) فرائد الاصول : ج ١ ، ص ١٠٦.