وإن شئت ، فقل : إنّ العناوين الثّلاثة الّتي لها آثار وأحكام ، لا تحصل إلّا للملتفت وهو المجتهد ، ولا التفات لغيره إلّا بنحو الإجمال ؛ على أنّه لا عبرة بقطع غير المجتهد ، وكذا ظنّه وشكّه حتّى في فرض التفاته إلى الأحكام تفصيلا ؛ وذلك ، لعدم انتفاعه من مثل الخطابات المتقدّمة ؛ لاشتراط الانتفاع بها بتشخيص مواردها ومجاريها وفهم مضامينها وفحص تامّ في مواضعها ؛ وأنت ترى ، أنّ غير المجتهد فضلا عن الصّبي عاجز عن مثل هذه الامور ، كما أشار إليه المحقّق النّائيني (١) والعراقى قدسسرهما (٢).
لأنّه يقال : وزان الخطابات الطّريقيّة وأدلّة اعتبار الطّرق والاصول ، وزان الخطابات النّفسيّة في شمولها لقاطبة المكلّفين وعدم اختصاصها بصنف ، فقوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشّكّ» يكون نظير قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) أو قوله جلّ جلاله : (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ ...) غاية الأمر ، يرجع الجاهل بالخطابات الطّريقيّة غير العارف بالاصول ، العاجز عن تشخيص مواردها ومجاريها ، إلى المجتهد الفقيه العارف ، كما أنّه يرجع إليه في الخطابات النّفسيّة ، وليس هذا الرّجوع من باب النّيابة ، بل من باب رجوع الجاهل إلى العالم بمقتضى الارتكاز والفطرة.
وإن شئت ، فقل : إنّ الخطابات كلّها متوجّهة إلى المكلّفين قاطبة من العوام والمجتهدين ، وعجز العاميّ عن فهم المضامين ، وعن تشخيص الموارد والمجاري ، وعن الفحص في المعارضات والمخصّصات أو المقيّدات ، حاصل في الجميع ؛ ولذا يجب
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٤.
(٢) راجع ، نهاية الافكار : ج ٣ ، ص ٣.