الأوّل : أنّ التّفقّه في الدّين كما يكون ـ في الأعصار المتأخّرة وعصرنا هذا ـ بالنّظر في الكتاب من ناحية الدّلالة ، وفي الخبر من ناحية الصّدور والجهة والظّهور ، وبالاجتهاد والنّظر فيهما من ناحية الفحص عن المخصّص أو المقيّد أو المعارض وإعمال قواعد التّرجيح أو الرّجوع إلى الاصول العمليّة عند فقد الأمارات والأدلّة الاجتهاديّة ، كذلك كان في العصر المتقدّم وعصر الظّهور ، لكن لا بهذا النّحو المبسوط المتداول في هذه الأزمنة ، بل بنحو بسيط موجز ، فكانوا عليهمالسلام قد يعلّمون بعض أصحابهم كيفيّة الاستدلال بالآيات لاستخراج بعض الأحكام ، نظير قوله عليهالسلام : لمّا قال زرارة : من أين علمت أنّ المسح ببعض الرّأس ، «لمكان الباء» فعرّفه عليهالسلام طريق النّظر والاجتهاد من ظاهر الكتاب ودلالة الآية.
الأمر الثّاني : أنّ الإنذار وإن كان منصرفا في بدو النّظر إلى بيان أحكام البرزخ والمعاد ، إلّا أنّه يعمّ بأدنى تأمّل ، إبلاغ الأحكام ـ أيضا ـ من الواجب والحرام سيّما باعتبار كونه غاية للتّفقّه في الدّين الشّامل لجميع الأحكام من البرزخ والمعاد وأفعال العباد.
الأمر الثّالث : أنّ صدر الآية وهو قوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) وإن كان غير آب عن العموم المجموعيّ ، بمعنى النّفر بهيئة الاجتماع ، لكن ذيل الآية وهو قوله جلّ جلاله : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) ظاهر في العموم الاستغراقي الأفراديّ ؛ إذ المطلوب هو تفقّه كلّ فرد فرد من أفراد الطّائفة ، لا تفقّه مجموعهم من حيث المجموع ، فلا اعتداد بهيئة الاجتماع ، والأمر في الإنذار كذلك ، بمعنى : أنّ المراد منه هو إنذار كلّ فرد فرد من المتفقّهين من كلّ طائفة لا مجموعهم من حيث المجموع ،