وكون ما يفيد العلم قدرا متيقّنا في الحجّيّة ، لا يوجب التّقييد ، إلّا أن يكون متيقّنا في مقام التّخاطب وموقف المخاطبة ، وإلّا فكلّ مطلق له قدر متيقّن في الخارج بلا شبهة ، فيلزم أن لا ينعقد إطلاق للمطلق رأسا.
وقد ذهب المحقّق الحائري قدسسره إلى أنّ وجوب الإنذار والحذر ، وجوب مقدّميّ يكون مقيّدا بما إذا حصل العلم بالمطابقة للواقع ، ولكن مع ذلك ، يجب مطلق الإنذار حتّى غير المقدّمي منه ، ثمّ أورد قدسسره على نفسه ، بأنّه كيف يمكن ذلك مع كون وجوب المقدّمة تابعا لوجوب ذيها إطلاقا وتقييدا ، فأجاب ، بأنّ غير المقدّمة من الإنذار يكون وجوبه لأجل عدم كون ما هو المقدّمة ، ممتازا عند المكلّف ، عنه ، فيجب مطلق الإنذار للتّوصّل إلى ما هو المقصود الأصلي من بين الإنذارات ، أعني : ما هو المفيد للعلم. (١)
وفيه : أنّ الإنذار غير المقدّمي الّذي لا يفيد العلم ، ليس فيه ملاك المقدّميّة كي يجب مقدّميّا ، ولا ملاك فيه ـ أيضا ـ ذاتا حتّى يجب نفسيّا ، وعنوان عدم الامتياز عند المنذر (بالكسر) المكلّف بالإنذار ، أو عند المنذر (بالفتح) المكلّف بالحذر لو أوجب التّكليف بالنّسبة إلى مطلق الإنذار ، لكان ذلك من باب المقدّمة العلميّة ، وكان الوجوب حينئذ عقليّا ، كما هو ذلك في أطراف العلم الإجمالي في سائر الموارد ، والمفروض كون الوجوب تعبّديّا مولويّا ، لا إرشاديّا عقليّا. هذا كلّه في الجهة الاولى من الإشكال على آية النّفر.
__________________
(١) إفاضة العوائد : ج ٢ ، ص ٩٠.