وكذلك اشتهر بينهم ـ أيضا ـ أنّ إعراض المشهور من الخبر ، يوجب وهنه وكسره ، فيسقط عن الحجّيّة ، وقد صرّحوا بأنّه «كلّما ازداد الخبر صحّة من جهة السّند ، ازداد وهنا وضعفا بإعراض المشهور ومخالفة الشّهرة».
هذا ، ولكن خالف بعض الأعاظم قدسسره (١) في المسألة وذهب إلى أنّ عمل المشهور ليس جابرا لضعف الخبر ، ولا إعراضهم كاسرا لقوّته ؛ فقال في وجه عدم جابريّة العمل : أنّ الشّهرة العمليّة ليست بحجّة ، فلا شأن لها حتّى تكون جابرة ، مضافا إلى أنّه لا سبيل إلى إحراز استناد المشهور إلى الرّواية الضّعيفة ، فهو قدسسره في هذا الوجه أنكر الصّغرى والكبرى معا.
وقال قدسسره في وجه عدم كاسريّة الإعراض : أنّه لا وجه لرفع اليد عن الخبر الصّحيح أو الموثّق بمجرّد إعراض المشهور بعد كون الخبر موردا لقيام السّيرة ومشمولا لإطلاق الأدلّة اللّفظيّة.
والإنصاف : أنّ ما قال به المشهور في المسألة : من جبر السّند بالعمل ووهنه بالإعراض هو الحقّ ؛ وذلك لما أشرنا آنفا ، من أنّ الشّهرة إذا كانت من القدماء ـ كما هو المفروض ـ وهم في كمال الدّيانة والاحتياط ، يحدث لنا العلم أو الوثوق بصدور الخبر الضّعيف الّذي عملوا به ، ويبعد جدّا أن يقال : إنّهم تمسّكوا في الفتوى بدليل ضعيف ، كما أنّ القدماء إذا لم يعملوا بخبر ، يوجب ذلك ضعف هذا الخبر وعدم كونه حجّة ؛ إذ لعلّهم اعتمدوا على قرينة دالّة على قدح السّند عندهم وهي لم تصل إلينا.
ثمّ إنّ المحقّق النّائيني قدسسره ذكر في وجه جابريّة عمل المشهور : أنّ الخبر المنجبر
__________________
(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٢٠١.