هذا ، ولكن أشكل عليه الشّيخ الأنصاري قدسسره بوجهين :
الأوّل : أنّ المستصحب ، إمّا يكون براءة الذّمة من التّكليف ، وإمّا عدم المنع من الفعل ، وإمّا عدم استحقاق العقاب ، والمطلوب في الآن اللّاحق ليست إلّا أحد الأمرين : أحدهما : القطع بعدم ترتّب العقاب على الفعل ؛ إذ مع احتمال العقاب يحتاج إلى انضمام حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان حتّى يحصل له أمان بلا احتياج إلى الاستصحاب ولحاظ الحالة السّابقة ؛ ثانيهما : الإذن والتّرخيص في الفعل. ومعلوم ، أنّه لا يكون شيء من هذين الأمرين مترتّبا على المستصحبات المذكورة ، أمّا أمر الأوّل ، فلأنّه ليس من اللّوازم المجعولة الشّرعيّة حتّى يحكم بها الشّرع في الظّاهر ؛ وأمّا الأمر الثّاني ، فلأنّه وإن كان قابلا للجعل ويستلزم انتفاء العقاب واقعا ، إلّا أنّ الإذن الشّرعيّ ليس لازما شرعيّا للمستصحبات المذكورة ، بل هو من المقارنات لعدم انفكاك عدم المنع من الفعل عن كونه مرخّصا فيه ، فيلزم إثبات أحد المقارنين بإثبات الآخر ، نظير إثبات أحد الضّدّين بنفي الآخر ، وهذا من أوضح مصاديق الأصل المثبت. هذا كلّه بناء على القول باعتبار الاستصحاب من باب عدم جواز نقض اليقين بالشّكّ ، بمعنى : كونه من الاصول العمليّة الّتي لا تثبت بها إلّا الآثار المجعولة الشّرعيّة.
وأمّا بناء على القول باعتبار الاستصحاب من باب الظّنّ ، بمعنى : كونه من الأمارات ، فللتّمسّك به لإثبات البراءة مجال ، وهكذا له مجال ـ أيضا ـ بناء على القول بالأصل المثبت ، بمعنى : أنّه يثبت بالاستصحاب من باب التّعبّد كلّ ما لا ينفكّ عن المستصحب لو كان معلوم البقاء ولو لم يكن من اللّوازم الشّرعيّة ، انتهى محصّل