الحجّة عليهم حتّى يكون له تعالى الحجّة البالغة ، ولا يكون للعباد عليه تعالى حجّة ، كما ورد في قوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(١) فحقّ الطّاعة لله تعالى على العبد يدور مدار دائرة تمام البيان وإتمام الحجّة ، وإلّا فالمؤاخذة على المخالفة تكون قبيحة.
بقي في المقام شيء وهو أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، إنّما تتمّ في دلالتها على البراءة ، إذا لم تلاحظ مع أدلّة الاحتياط ، وإلّا فلو تمّت تلك الأدلّة من جهة السّند والدّلالة على وجوب الاحتياط في الشّبهات البدويّة بعد الفحص واليأس عن الظّفر بالحجّة وجوبا طريقيّا لحفظ الواقع ، لكانت واردة على القاعدة ، رافعة لموضوعها بلا كلام ؛ وذلك لتماميّة البيان في الشّبهات على تقدير دلالة الأدلّة على وجوب الاحتياط ، وتنجّز الحكم الواقعيّ حينئذ على تقدير ثبوته ، لأنّه وإن لم يصل إلى المكلّف بنفسه ، لكنّه وصل إليه بطريقه ، وسنتكلّم في تماميّة تلك الأدلّة من حيث الصّدور والظّهور وعدم تماميّتها ، عند نقل أدلّة الأخباريّين ونقدها ، إن شاء الله تعالى. هذا تمام الكلام في الاستدلال على البراءة بالأدلّة الأربعة (الكتاب والسّنّة والإجماع والعقل).
وقد يستدلّ على البراءة عند الشّكّ في التّكليف ـ أيضا ـ باستصحاب البراءة المتيقّنة حال الصّغر أو الجنون. بتقريب : أنّه لم يكن للشّخص حال الصّغر وقبل البلوغ ، وكذا حال الجنون ، تكليف قطعا ، فبعد البلوغ أو الإفاقة إذا شكّ في توجّه التّكليف إليه ، يستصحب عدمه السّابق ويحكم بعدم التّكليف بعدهما.
__________________
(١) سورة الأنفال (٨) ، الآية ٤٢.