وقبح معصيته إنّما هو مولويّته ومالكيّته ، فلله تعالى حق الطّاعة على العبد ، لأنّه مولى حقيقيّ ومالك بجميع شئونه. ولا ريب ، أنّ دائرة هذا الحقّ وحدوده متّسعة ، تعمّ المحتملات والمشكوكات من التّكاليف ، حيث إنّ تحصيل أغراض المولى أهمّ من تحصيل أغراض العبد ، فكما أنّه يهتمّ بأغراض نفسه حتّى في المحتملات والمشكوكات ، فيسلك سبيل الاحتياط لتحصيل تلك الأغراض ، كذلك له أن يهتمّ بأغراض المولى حتّى في المحتملات والمشكوكات ، فيجب عليه الاحتياط لتحصيل تلك الأغراض. ونتيجة ذلك ، أنّ العقل مستقلّ في الحكم بوجوب الاحتياط ، في موارد المشكوكات مطلقا حتّى الشّكّ في التّكليف ، تحصيلا لأغراض المولى.
وفيه : أوّلا : أنّ قياس أغراض المولى بأغراض العبد ، إنّما يصحّ بالنّسبة إلى الموالي العرفيّة ، وأمّا المولى الحقيقيّ وهو الخالق الباري تعالى ، فليس له أغراض نفسيّة راجعة إلى شخصه الغنيّ بالذّات ، وإنّما الأغراض والمصالح المبتنية عليها أحكامها والكامنة في متعلّقات تلك الأحكام ، تكون راجعة إلى العباد الفقراء إليه تعالى ، وكذلك المضار والمفاسد ، ويشهد على هذا رواية ... عن الرّضا عليهالسلام : «ووجدنا المحرّم من الأشياء ما لا حاجة للعباد إليه ، بل وجدناه مفسدا داعيا إلى الفناء والهلاك» (١).
وثانيا : أنّ العبد لعدم علمه المحيط بأغراضه ومنافعه ، لا بدّ أن يحتاط ويسلك سبيل الاحتياط كيلا تفوت منه تلك الأغراض ، وأمّا الله العليم المحيط بأغراضه ، فعليه أن يبيّن تلك الأغراض ويوصلها إلى عباده بحجج ظاهرة أو باطنة ويتمّ
__________________
(١) علل الشّرائع : ج ٢ ، ص ٥٩٢ ، ح ٤٣.