وثانيا : لو تمّت القاعدة (١) ، لكانت في محور علل الأحكام ومباديها ، من المصالح والمفاسد ، فلو حكم العقل وأدرك مصلحة تامّة ملزمة كامنة في فعل بلا مزاحم ، حكم الشّرع ـ أيضا ـ بوجوبه ، كما أنّه لو أدرك مفسدة تامّة ملزمة كامنة بلا مزاحم ، حكم الشّرع ـ أيضا ـ بحرمته ، وأمّا محور معاليل الأحكام ، كحسن الإطاعة والإتيان وقبح المخالفة والعصيان ، فلا ملازمة في البين.
ولا يخفى : أنّ التّجرّي كالعصيان ـ أيضا ـ يكون في محور المعاليل ، فتنتفي الملازمة بين حكم العقل بقبح التّجرّي ، وبين حكم الشّرع بحرمته ؛ ولأجل ذا لا يندرج مسألة التّجرّي في باب الملازمات العقليّة المبحوث عنها في علم الاصول كي يوجب ذلك كونها من المسائل الاصوليّة.
والوجه في عدم الملازمة هنا لزوم التّسلسل ، كما هو الوجه في عدم الملازمة في باب العصيان.
توضيحه : أنّه لو قلنا : بثبوت الملازمة في باب العصيان ، بمعنى : تعلّق النّهي المولويّ الشّرعيّ المستكشف من حكم العقل بقبح العصيان ، لزم أن يكون مخالفة ذلك النّهي قبيحا عقلا ومنهيّا شرعا ـ أيضا ـ بقاعدة الملازمة ، فيجيء نهي آخر ثان ، وهذا الثّاني ـ أيضا ـ مخالفته قبيح عقلا موجبة للعقوبة ، فتكون منهيّا شرعا ـ أيضا ـ بقاعدة الملازمة فيجيء نهي آخر ثالث ، وهكذا حتّى يتسلسل.
وهذا الكلام بعينه يجري في باب التّجرّي ـ أيضا ـ ضرورة ، أنّه إذا حكم العقل بقبح التّجرّي ـ لما فيه من الجرأة على المولى ـ فمقتضى الملازمة هو تعلّق النّهي الشّرعيّ المولويّ به.
__________________
(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٨٥.