ولا ريب : أنّ التّجرّي بالنّسبة إلى هذا النّهي ـ أيضا ـ قبيح عقلا فيكون منهيّا شرعا بحكم الملازمة ، فيجيء هنا نهي آخر ثان وهذا الثّاني ـ أيضا ـ يحكم العقل بقبح التّجرّي ، فيكون حراما شرعا فيجيء نهى آخر ثالث وهكذا.
وثالثا : أنّ قاعدة الملازمة ليست مبحوثا عنها هنا كي يندرج المقام في المسألة الاصوليّة ؛ إذ المبحوث عنه هنا هي مسألة أنّ التّجرّي ، هل يكون قبيحا ، أو لا؟ وهذا أجنبيّ عن المسألة الاصوليّة ، لكونه بحثا عن مباديها.
التّقريب الثّالث : أنّ البحث عن التّجرّي راجع إلى أنّه ، هل يوجب تحقّق مفسدة في الفعل المتجرّى به فيستتبع حكما شرعيّا مولويّا وهي الحرمة ، أم لا؟
فمقتضاه هو كون المسألة من المسائل الاصوليّة ؛ لوقوع نتيجتها في استنباط الحكم الشّرعيّ الفرعيّ.
وفيه : أنّ البحث عن التّجرّي بالنهج المذكور هو بعينه ، بحث عنه في الجهة الثّالثة الآتية وهي ، هل الفعل المتجرّى به يخرج بالتّجرّي عمّا كان عليه بدونه ، أم لا؟ أو هل التّجرّي يغيّر الفعل المتجرّى به ويخرجه عمّا هو عليه فيجعله ذا مفسدة بعد أن لم يكن كذلك ، أم لا؟ أو هل التّجرّي يكون من العناوين الثّانويّة المولّدة المستتبعة للأحكام الشّرعيّة ، كعنوان الاستشفاء في الخمر الموجب لحلّيّته ، أم يكون من العناوين القصديّة غير المولّدة ، بمعنى : غير المغيّرة للواقع عمّا هو عليه ، كالتّعظيم والإهانة بالنّسبة إلى القيام ونحوه؟ وسيجيء التّحقيق في ذلك إن شاء الله.
التّقريب الرّابع : ما ذكره المحقّق النّائيني قدسسره وجعله من مستندات القائل باستحقاق المتجرّي للعقاب ، محصّله (١) : أنّ البحث عن التّجرّي صورته هكذا ، هل
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٣٧.