الوجوه والاعتبارات ، فيمكن أن يغلب مصلحة الواقع على مفسدة التّجرّي فيصير حسنا ، كما يمكن أن تكونا متساويين ، فلا حسن ولا قبح.
وفيها : أنّ قبح التّجرّي لو سلّم ، لكان ذاتيّا لصدق عنوان الظّلم والطّغيان وهتك الحرمة عليه ، فليس مثل الصّدق والكذب.
الدّعوى الثّانية : تداخل العقابين عند مصادفة الفعل المتجرّى به ، المعصية الواقعيّة. (١)
وفيها : أنّ هذه الدّعوى مبنيّة على القول باستحقاق العقوبة للتّجرّي بما هو هو ، وقد قرّرنا بما لا مزيد عليه ، أنّ قبح التّجرّي لا يستلزم الحرمة والعقوبة.
على أنّ قبح التّجرّي لو كان ، لم يكن من سنخ قبح المعصية ، بل لو كان موجبا للعقوبة ، لم تكن نوع عقوبة المعصية ، كيف ، وأنّ التّجرّي أمر جانحيّ ، والعصيان أمر جارحيّ ، فلا عقوبة للتّجرّي حتّى يقال : بالتّداخل ، ولو كانت ، لكانت سنخا آخر غير عقوبة المعصية فلا مجال ـ أيضا ـ للتّداخل.
ثمّ إنّ بعض الأعاظم قدسسره قد أورد على هذه الدّعوى : بأنّ مناط استحقاق العقاب في التّجرّي والمعصية أمر واحد وهو هتك المولى والتّعدّي عليه ، فليس في المعصية الحقيقيّة إلّا هتك واحد ، فلا ملاك لتعدّد العقاب حتّى نلتزم بالتّداخل ، ولعلّه لوضوح أنّ العاصي لا يستحقّ إلّا عقابا واحدا. (٢)
__________________
(١) الفصول الغرويّة : ص ٧٠ من مبحث التّنبيه الرّابع من تنبيهات مقدّمة الواجب ، وإليك نصّ كلامه قدسسره : «فإنّ التّحقيق ، أنّ التّجرّي على المعصية ـ أيضا ـ معصية ، لكنّه إن صادفها تداخلا وعدّا معصية واحدة».
(٢) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٣١.