وضعفه واضح ؛ إذ قد عرفت : أنّ قبح التّجرّي لو كان ، لا يستلزم الحرمة والعقوبة ، ولو استلزم العقوبة لكانت سنخا آخر غير عقوبة المعصية ، والقول بأنّ الملاك مطلقا واحد وهو هتك الحرمة ، خلاف الضّرورة ، كما أفاده الإمام الرّاحل قدسسره حيث قال : «إنّ الالتزام بأنّ التّجرّي والهتك لحرمة المولى ، لا يوجب شيئا أصلا ، خلاف الضّرورة والوجدان الحاكم في باب الطّاعة والعصيان» (١) وذلك ، للزوم أن لا يكون للمنهى عنه مفسدة اخرويّة ، بل لازمه أن يكون في الطّاعة والانقياد منشأ واحد للاستحقاق ، وأن لا يكون للمأمور به مصلحة أصلا ، وهو خلاف ارتكاز المتشرّعة ، وخلاف الآيات الكريمة والأخبار الشّريفة الواردتين في باب الثّواب والعقاب.
الدّعوى الثّالثة : أنّ الجهات الواقعيّة ، كالحرمة والكراهة ، والإباحة والاستحباب والوجوب ، توجب اختلاف التّجرّي ومراتب قبحه من جهة الأشدّيّة وعدمها ، بل توجب أحيانا زوال القبح رأسا مع عدم الالتفات إلى تلك الجهات.
وفيها : أنّ الجهات الواقعيّة عند عدم الالتفات إليها لا تؤثّر في التّجرّي ، ولا في اختلاف مراتبه من حيث القبح ، فضلا عن زوال قبحه.
التّنبيه الثّالث : قال المحقّق الخراساني قدسسره ـ بعد البناء على إيجاب التّجرّي لاستحقاق العقوبة ـ ما هذا لفظه : «العقاب إنّما يكون على قصد العصيان والعزم على الطّغيان» (٢).
وقد أورد قدسسره على نفسه : بأنّ القصد والعزم إنّما يكون من مبادي الاختيار
__________________
(١) أنوار الهداية : ج ١ ، ص ٨٩.
(٢) كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ١٤ إلى ١٦.