هذه الآيات تبين أيضا أن الأوثان عاجزة عن الخلق والإيجاد ، وأن الله هو الخلاق المبدع ، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه. إن الله تعالى هو الذي خلق الإنسان في أطوار متدرجة من الضعف إلى القوة ، ثم العجز ، خلقه جنينا في بطن أمه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ، ثم كوّن عظامه ، ثم كسا العظام لحما ، ثم ولد طفلا جميلا ، وكل هذه مراحل ضعف ، ثم صار شابّا قويّا ، وهذه هي مرحلة القوة والشباب ، ثم صار كهلا فشيخا عاجزا ذا شيبة ووقار ، وهذه هي مرحلة ضعف من نوع آخر.
وهذا الانتقال المتتابع من طور إلى طور آخر دليل على القدرة الإلهية الخالقة التي لها آثار وبصمات واضحة ، على كل مرحلة من مراحل الحياة الإنسانية ، والله يخلق ويبدع ما يشاء من ضعف وقوة ، وبدء وإعادة ، وهو تام العلم بأحوال مخلوقاته ، كامل القدرة على كل ما يشاء. ومن خلق خلقا قادر على إعادته مرة أخرى. ومصير المخلوقات كلها إلى الجمع والحساب يوم القيامة.
ويوم تقوم القيامة ويبعث الله الناس من القبور ، يقسم المجرمون الكافرون الآثمون أنهم ما أقاموا في الدنيا أو في القبور ، إلا ساعة واحدة ، أي مدة قليلة من الزمان ، قاصدين من هذا القسم أنهم لم يدركوا الحقيقة الكبرى ، ولم يمهلوا المدة الكافية للتأمّل والإيمان ، والعمل والإحسان ، فيعذروا على ما وقعوا فيه من تقصير ، ومثل ذلك الصّرف عن الحقيقة والواقع في مدة المكوث في الدنيا ، كانوا يصرفون عن الحق إلى الباطل ، ومن الصدق إلى الكذب ، والمراد أنهم صاروا كاذبين فيما قالوا : ما لبثنا غير ساعة ، وأن إصرارهم على الكفر ، صرفهم عن الاعتقاد الصحيح ، وعن الإيمان باليوم الآخر.
ثم وصف الله تعالى جواب أهل الإيمان على أولئك الكافرين منكري البعث : وهو لقد لبثتم في علم الله وقضائه مدة طويلة في الدنيا ، من يوم خلقكم إلى يوم بعثكم.