من الحمل إلى الطلق ، إلى الولادة والنفاس ، ثم الرضاع والفطام في مدة عامين ، ثم تربيته ليلا ونهارا حتى صار كبيرا ، وأمرناه بشكر الله على نعمته ، وبشكر والديه ، لأنهما سبب وجوده ، ومصدر الإحسان إليه بعد الله تعالى.
وطاعة الوالدين لها حدود : وهي الأمر بالمعروف ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وعلى هذا ، فإن ألحّ والداك في الطلب على أن تشرك بالله في عبادته غيره مما لا تعلم أنه شريك لله أصلا ، فلا تقبل ذلك منهما ، ولا تطعهما فيما أمراك به من الشرك أو العصيان.
ولكن صاحب والديك الكافرين في الدنيا مصاحبة كريمة بالمعروف ، بأن تحسن إليهما بالمال والعلاج ، والتودد في الكلام والمحبة والرفق ، والوفاء بالعهد وإكرام صديقهما ، ما دام ذلك في الدنيا ، واتبع سبيل المؤمنين التائبين في دينك ، ولا تتبع في كفرهما سبيلهما فيه ، ثم إلي مرجعكم جميعا ، فأجازيك أيها الولد على إيمانك ، وأجازيهما على كفرهما إن كفرا ، وأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من خير أو شر.
نزلت هاتان الآيتان في شأن سعد بن أبي وقاص ، وذلك أن أمه : وهي حمنة بنت أبي سفيان بن أمية ، حلفت ألا تأكل ولا تشرب ، حتى يفارق ابنها سعد دينه ، ويرجع إلى دين آبائه وقومه ، فلجّ (١) سعد في الإسلام. فلما طال ذلك ، ورأت أن سعدا لا يرجع عن دينه أكلت (٢).
دلت الآيتان على الأمر ببر الوالدين ، ثم حكم الله بأن ذلك لا يكون في الكفر والمعاصي لأن طاعة الأبوين لا تراعى في ارتكاب كبيرة ، ولا في ترك فريضة عينية ، وتلزم طاعتهما في المباحات. ويستحسن في ترك الطاعات الندب ، ومنه المشاركة في
__________________
(١) لازمه وأبي أن ينصرف منه.
(٢) أخرجه أبو يعلى والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي عثمان الهندي عن سعد.