ثم آنس الله عزوجل نبيه عليه الصلاة والسلام عن أساه وحزنه ، لكفر قومه وإعراضهم ، فأمره ألا يحزن لذلك ، بل يعمد إلى ما كلّف به من التبليغ ، وإرجاع كل شيء إلى الله تعالى ، فلا تغتم أيها النبي ولا تجزع على كفر الكافرين ، الذين كفروا بالله ورسوله ، ودينه وقرآنه ، ولا تأبه بهم ، ولا تحزن عليهم ، فإن مصيرهم إلى الله تعالى يوم القيامة ، وفي الدنيا أيضا ، فيجازيهم ربهم بالهلاك والعذاب ، ولا تخفى عليه خافية منهم ، لأن الله تعالى يعلم السر وأخفى ، ويعلم العلانية والظواهر كلها ، ويخبرهم بما أضمرته صدورهم. و (بِذاتِ الصُّدُورِ) : ما فيها ، والقصد من ذلك : المعتقدات والآراء.
ثم أبان الله تعالى مقام الكفار في الدنيا ، فذكر أنه سبحانه يمتعهم في عالم الدنيا بزخارفها وزينتها ، تمتعا قليلا ، أو زمانا ضئيلا ، ثم يلجئهم ويلزمهم بعذاب شاقّ ، ثقيل شديد عليهم ، والمتاع القليل : هو العمر في الدنيا.
والغلظ : يكون في الماديات ، وأستعير للمعنى ، والمراد : الشدة ، فيكون معنى (العذاب الغليظ) : المغلّظ الشديد.
إن كل عاقل يتأمل في نفسه قليلا ، وفي مستقبله كثيرا ، وفي الواقع المشاهد حوله وفي العبر والعظات المتكررة يوميا ، يدرك إدراكا تاما أن العاقبة الحسنة ، والمصير الأحسن : هو لأهل الإيمان ، والإيمان أمر سهل : إنه حركة القلب واتجاهها نحو التصديق التام بالله تعالى ، والاستسلام المطلق لأوامره ونواهيه ، والتخلص من موروثات العقائد الباطلة ، ومؤثرات البيئة الظالمة أو القائمة ، وان هذا المتأمل والمبادر إلى الإيمان الصحيح بربه يتحرر من التقليد ، ويشعر في قرارة نفسه أنه بالإيمان ينتقل من عالم الظلام والجهل ، إلى عالم النور والإدراك والفهم ، والله يوفق دائما للخير كما قال سبحانه : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الأنعام : ٦ / ١٢٥.]