بالفرائض والطاعات ، واجتناب المناهي والمحظورات ، والأمر بخشية الله وعظمته وسلطانه ، والخوف من الحساب يوم القيامة ، ذلك اليوم الذي لا يغني فيه والد عن ولد ، ولا يدفع عنه شيئا ، وكذلك لا يفيد المولود والده شيئا ، حتى لو أراد أن يفديه بنفسه لم يقبل منه ، لأنه لا يشفع أحد في غيره إلا بإذن من الله ، كما قال الله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة : ٢ / ٢٥٥]. (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) [يونس : ١٠ / ٣].
ولا يفيد في ذلك اليوم إلا العمل الصالح المقدّم في الدنيا.
ولا يشك أحد في حدوث ذلك اليوم ، فإن وعد الله بالقيامة والحساب والجزاء أمر منجز ومؤكد الحصول ، فلا تخدعنكم أيها الناس زخارف الحياة الدنيا ، فتطمئنوا فيها ، وتميلوا إليها ، تاركين الاستعداد للآخرة ، ولا يخدعنكم الشيطان بحلم الله وإمهاله ، والاعتماد على الأماني والتعرض للمغفرة ، وعدم الاكتراث بالمعصية ، ونسيان الآخرة ، كما جاء في آية أخرى : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) [النساء : ٤ / ١٢١]. والغرور : الشيطان ، في تفسير مجاهد والضحاك ، أو هو الأمل والتسويف ، أو التطميع بما لا يحصل. وقال سعيد بن جبير : معنى الآية أن تعمل المعصية وتتمنى المغفرة.
ثم أخبر الله تعالى عن اختصاصه بالعلم بمفاتيح الغيب الخمسة ، فلا يعلم بها أحد إلا الله ، وإن شاء أعلم بها سواه وهي :
ـ العلم بتوقيت حدوث يوم القيامة ، فلا يعلم أحد وقت ذلك اليوم ، لا ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل.
ـ وإنزال الغيث ، أي المطر ، فلا يعلم أحد بوقت نزول المطر ومكانه بالضبط ، فإن أمر الله به ، علمه الملك الموكل بإنزاله وهو ميكائيل أو غيره.