شهر. والغدو : السير وقت الغداة من أول النهار إلى منتصفه ، والرواح : الجريان في منتصف النهار إلى الغروب.
ومن يعدل من الجن ويخرج عن طاعة سليمان نذقه بعض العذاب المؤلم. إما في النار بالحريق ، وإما في الآخرة بالنار الدائمة ، وهذه النعمة كتسخير الجبال لداود.
والنعمة الثانية : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي وأذبنا له عين النحاس ، كما ألنا الحديد لداود ، فكان يصنع منه ما يشاء ، دون نار ولا مطرقة. وسمي عينا ، لأنه سال من معدنه سيلان الماء من الينبوع.
والنعمة الثالثة : تسخير الجن لخدماته ، فكانوا يعملون بين يديه ما يشاء من محاريب الصلاة ، والتماثيل الكبيرة المباحة في شرعه ، والجفان ، أي القصاع الكبيرة كالحفر الكبيرة ، وهي آنية الأكل ، وقدور الطبخ الثابتات في أماكنها ، فلا تتحرك عن مواضعها لعظمتها وثقلها.
وهذه النعمة ذات مرود نفعي أيضا على آل سليمان ، لذا قال الله لهم : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) أي اعملوا يا آل داود بطاعة الله ، شكرا له على ما أمدكم به من النعم الدينية والدنيوية ، وقليل هو الشاكر من عبادي ، والشكر في الحقيقة : ليس مجرد الحمد باللسان ، وإنما هو استعمال جميع الحواس والأعضاء المخلوقة للإنسان فيما خلقت له من المنافع المباحة. والشكور : صيغة مبالغة ، وهو الّذي يشكر الله في جميع أحواله من الخير والضر.
وأخبر الله تعالى بمناسبة تسخير الجن لسليمان عن اختصاص الله بعلم الغيب ، حتى إن الله تعالى لما أمات سليمان ، ظل ميتا قائما ، متكئا على عصاه ، ولم تعلم الجن بموته ، وبقوا يعملون أمامه خوفا منه ، ولم يدلّهم على موته إلا سوسة العود ، أي حيوان الأرض أو الأرضة التي نخرت عصاه من الداخل ، فلما سقط بوقوع عصاه ،