أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١)) [سبأ : ٣٤ / ١٥ ـ ٢١].
المعنى : لقد كان لقبيلة سبأ في مساكنهم في مأرب باليمن علامة على قدرة الله تعالى بإحياء الأرض بعد موتها ، وهي بستانان عن يمين الوادي وشماله ، وفيهما جميع الثمار ، يقال لهم بلسان الحال أو المقال : كلوا من رزق أو ثمار ربكم في هذين البستانين ، واشكروا الله على ما رزقكم من هذه النعم ، فهذه بلدة طيبة بطيب أشجارها وثمارها وجمال مناخها ، والله المنعم عليكم غفور لذنوب الموحدين التائبين. فأعرضوا عن توحيد الله وعبادته وطاعته وعن شكره على ما أنعم عليهم ، ومالوا لعبادة الشمس من دون الله تعالى ، فأرسل الله عليهم سيل العرم ، أي المياه الكثيرة ، فحطمت سد مأرب ، فملأ الماء الوادي ، وأغرق البساتين ، ودمّر البيوت ، وأبدلهم الله بتلك البساتين الغناء بساتين لا خير فيها ، فيها أشجار ذات ثمر مرّ وهي الأراك ، وأثل : وهو الطرفاء ، وسدر ، أي نبق ذو شوك كثير وثمر قليل. وسبب ذلك العقاب أو التبديل : هو مجازاة كفرهم أو شركهم بالله ، وتكذيبهم الحق ، ولا يعاقب الله تعالى إلا المغرق في الكفر ، الجحود النعم.
وأنعم الله تعالى عليهم بنعم أخرى : هي جعل قرى مرتفعة عامرة بين قراهم وقرى الشام التي بارك الله فيها بالمياه والخيرات ، وجعل فيها محطات متعاقبة ذات مسافات متناسبة ، وقيل لهم : سيروا في طرقات تلك القرى ليالي وأياما آمنين.
فبطروا النعمة وسئموها ، وتمنوا طول الأسفار وتباعد الديار ، وقالوا : ربنا اجعل بيننا وبين البلاد التي نسافر إليها مفاوز وصحارى ، لركوب الرواحل ،