وهذا تنبيه على المعجزة ، لأن الإخبار عن قصة تاريخية من مئات السنين ، دون مشاهدة لأحداثها ، دليل واضح على صدق المخبر : وهو رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وكذلك لم تكن أيها النّبي مقيما بين قوم شعيب في أهل مدين ، تقرأ عليهم آياتنا المنزلة ، ولكنا ، أي ذات الجلالة كنا مرسلين إياك رسولا للناس ، وأوحينا إليك بهذه الأخبار.
ولم تكن أيضا أيها الرسول موجودا بجانب جبل الطور ، وقت إنزال التوراة إلى موسى ، وحين مناداة موسى عليهالسلام وتكليمه ومناجاته ، حتى تعرف تفاصيل الخبر ، ثم تحدّث به للناس ، ولكن علّمناك وأخبرناك بأخبار القرآن ، وجعلناك رحمة للعالمين ، لتنذر قوما وهم العرب ، لم ينذروا من قبل ، تنذرهم بأس الله وعذابه إن لم يؤمنوا بك ، لعلهم يهتدون بما جئتهم به من عند الله عزوجل ، ويتذكرون هذه الإنذارات والتحذيرات.
وأما سبب رسالتك أيها النّبي محمد : فهي إخبار قومك والعالم كله بمضمون رسالة الله وشرائعه وأحكامه ، فإنهم إذا أصابتهم مصيبة العذاب على كفرهم ، وما قدمته أيديهم من المعاصي ، قالوا : يا ربّنا ، هلا أرسلت إلينا رسولا يبيّن لنا صحة العقيدة ، ونظام الحياة ، فنؤمن بك ربّا واحدا ، ونعمل بشريعتك ، ونلتزم بدينك ونتّبع أحكامك ، فلو لا خشية الاعتذار بالجهل بالأحكام والتعرّض للمصائب ، لما أرسلناك رسولا. والمصيبة : عذاب في الدنيا على كفرهم. وجواب قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ ..) محذوف ، تقديره : لما أرسلنا الرسل ، أي فيكون إرسال الرسل حجة على الناس في تركهم أحكام الله عن بيّنة وعلم. وهذا يلتقي مع المبدأ القانوني المعروف : «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصّ».
لذا بعثناك أيها النّبي رسولا للبشرية ، نذيرا للإنسانية ، تقيم عليهم الحجة البالغة ،