حسان ، كأن ألوانهن من البياض المشوب بصفرة خفيفة كالبيض المصون المستور الذي لم تمسه الأيدي ، ولم يتلوث بالغبار. وأقبل هؤلاء المؤمنون بعضهم على بعض في حال تمتعهم ، يتساءلون عن أحوالهم التي كانوا عليها في الدنيا ومعاناتهم فيها ، إتماما لنعيم الجنة.
ومن تساؤلاتهم : قال مؤمن من أهل الجنة : كان لي صاحب كافر بالبعث مقارن في الدنيا يقول : أنحن إذا صرنا أمواتا وترابا وعظاما بالية ، أنكون محاسبين بعدئذ على أعمالنا ونجازى عليها؟ ذلك أمر غير ممكن ولا معقول ، فهل تصدق هذا؟ ثم قال المؤمن لجلسائه : انظروا معي إلى أهل النار ، لأريكم ذلك القرين الذي قال لي هذا القول ، كيف يعذب ويجازى؟ فنظر المؤمن إلى أهل النار ، بالرغم من كثرتهم ، فرأى قرينه يتلظى بحرّ جهنم. قال المؤمن لقرينه الكافر موبخا : لقد قاربت أن توقعني في الهلاك ، ولو لا رحمة ربي وعصمته من الضلال ، وتوفيقي للحق ، وهدايتي للإسلام ، لكنت من المحضرين معك في العذاب في النار.
ثم قال المؤمن لجلسائه ابتهاجا وسرورا بنعيم الجنة : ألسنا مخلّدين في نعيم الجنان إلى الأبد ، فلا نموت إلا موتتنا السابقة في الدنيا ، ولسنا بمعذبين كما يعذب أصحاب النار؟
إن هذا النعيم الدائم الخالد ، لهو الفوز الأكبر الذي لا يوصف ، ولمثل هذا النعيم والفوز ، ليعمل العاملون في الدنيا ، ليحظوا به ، لا أن يعملوا لحظوظ الدنيا الفانية فقط ، المقترنة بالمخاطر والآلام ، والمتاعب الكثيرة ، والمراد : أن المطلوب من كل عاقل هو العمل للآخرة وللجنة الخالدة ، لا أن يقتصر العمل على مكاسب الدنيا وشهواتها الفانية المؤقتة ، فإن عمل الآخرة هو الباقي الخالد ، وعمل الدنيا فإن زائل.