وعادوا لنداء العقل الصائب ، توصّلوا إلى وئام أهل الأديان ، ووصل الاعتقادات ، لأن المصدر واحد ، والغاية واحدة ، فالله تعالى هو مرسل الرّسل ، ومنزل الكتب كلها ، والغرض منها تحقيق السعادة والطمأنينة والنجاة للعالم كله ، مما يقتضي اتّحاد أهل الأديان في العقائد والشرائع.
الهداية من الله تعالى وتفنيد الشّبهات الشّركية
الهداية نوعان : هداية دلالة وإرشاد وبيان ، وهداية توفيق ، أما هداية البيان فهي إلى النّبي ، كما في قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشّورى : ٤٢ / ٥٢] ، وأما هداية التوفيق : فهي إلى الله تعالى ، لا لرسوله ، وذلك كما قال الله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) في هذه الآيات الآتية. وأما شبهات المشركين من أهل مكة في ترك الإيمان بالقرآن والنّبي : فمصدرها المخاوف من المجاورين كما زعموا ، ولكن هذا غير صحيح ، لذا توعّدهم الله بالقرى المهلكة ، فلم يكن إهلاك الأقوام الغابرين إلا بعد إرسال رسول لهم ، وليست الدنيا دار مقام واستقرار ، وإنما الآخرة هي دار القرار والخير ، فلم لا يبادر العقلاء إلى الدائم ، ويعبرون بالمؤقت في سلام؟! قال الله تعالى مفنّدا شبهات مشركي قريش :
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما (١) (٢) (٣)
__________________
(١) ننتزع سريعا.
(٢) يجلب إليه.
(٣) طغت وتمرّدت في حياتها.