واحدا واحدا منهم : (تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ) أي تلذّذ به ، واصنع ما شئت مدة قليلة : وهي مدة عمر ذلك المخاطب ، فإنك في النهاية يوم القيامة مصيرك أن تكون من أصحاب النار ، أي من سكانها والمخلّدين فيها. وهذا أمر يراد به التهديد.
ثم ذكر الله تعالى على جهة المقارنة حال المؤمن المخلص ، والمعنى : أذلك القانت خير أم هذا المذكور الذي يتمتع بكفره قليلا ، وهو من أصحاب النار؟ الجواب واضح وهو أن المؤمن خير. والقانت : الطائع الخاشع ، المصلي لله في أوقات الليل ، ساجدا خاضعا لربه ، وفي حال قيامه ، يخاف الآخرة ، ويرجو رحمة ربه ، جامعا بين الخوف والرجاء ، وتلك هي حقيقة العبادة الكاملة ، التي يفوز بها صاحبها. وهذا دليل على فضل قيام الليل وأنه أفضل من قيام النهار.
وكما لا يستوي القانت المطيع الخاشع ، والكافر الجاحد ، لا يستوي أهل العلم والجهل ، إنما يتعظ بآيات الله ويتدبرها أهل العقول السليمة والأفكار السديدة ، لا الجهلاء الأغبياء ، الذين لا يقدّرون الأمور حق قدرها ، ولا يتأملون في مصير المستقبل. نزلت هذه الآية (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) إما في عثمان بن عفان أو في عمار بن ياسر ، أو ابن مسعود أو سالم مولى أبي حذيفة.
وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن كمال الإنسان محصور في هذين المقصودين : العلم والعمل ، كما قال أبو حيان في البحر المحيط ، فكما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي ، والمراد بالعلم هنا : ما أدى إلى معرفة الله تعالى ، ونجاة العبد من سخطه.
وهذه المقارنة في معنى مقارنة آتية في السورة نفسها (سورة الزمر) في قول الله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الزمر : ٣٩ / ٢٢].