وخفيت الأدلة الدفاعية المقنعة ، ولم يجدوا معتصما غير السكوت ، لما اعتراهم من الاندهاش والذهول. وجاء الفعل : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) بصيغة الماضي ، لتحقّق وقوعه ، وأنه تعيّن ، والماضي من الأفعال متيقّن ، فيعبر به عن المستقبل المتيقّن ، لتأكيد وقوعه وتقوية صحته. والمعنى : أظلمت جهات الأمور عليهم. ولم يبق لديهم أمل في مساءلة بعضهم بعضا لحلّ المشكلات ، لأنهم قد أيقنوا أنهم جميعا ، لا حيلة لهم ولا مكانة ، ولا أمل في النجاة.
ثم استثنى الله تعالى من هؤلاء المشركين الآيسين من رحمة الله أولئك الذين تابوا من كفرهم ، وآمنوا بالله ورسله ، وعملوا بتقوى الله ، فهؤلاء يرجى لهم من الله الفوز والنّجاة ، والظفر بالنعيم الدائم. إن الذين تابوا من الشّرك ، وصدّقوا بالله ، وأقرّوا بوحدانيته ، وأخلصوا العمل لله ، وأدّوا الفرائض وغيرها ، وآمنوا بالنّبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، هم الفائزون برضوان الله ونعيمه الجنان.
والتعبير بكلمة (عسى) المفيدة للرجاء ، دون القطع واليقين بحسب اللغة ، يراد بها هنا التأكّد والتّيقّن ، لأن (عسى) من الله واجبة التّحقّق ، كما قال كثير من العلماء. وهذا مستفاد من حسن الظّن بالله تعالى ، المبني على فضله وكرمه ، خلافا لما عليه حال البشر ، فإن قولهم مثلا : «عسى» و «لعل» مجرد ترج وتوقّع لا يدلّ على التأكّد والتحقّق.
صفات الجلال والجمال والكمال
الجلال التّام ، والجمال المطلق ، والكمال النّهائي ، والإرادة الشاملة ، والسّلطان النّافذ : إنما هو كله لله وحده ، لا لأحد سواه ، فهو خالق الأكوان والعباد ، وبيده الأمر في البدء والختام ، وله الحكم والقضاء النافذ في الدنيا والآخرة ، فأين موقف