التسع. أرسلناه إلى فرعون ملك مصر ، وإلى هامان وزيره ، وإلى قارون كبير الأثرياء في زمانه ، فقالوا عنه : إنه ساحر مخادع مجنون ، كذّاب فيما زعم أن الله أرسله وخص هؤلاء الطغاة بالذكر ، لأنهم رؤساء القوم ، وغيرهم تابع لهم ، وشأن المتسلطين المستكبرين ألا يذعنوا لكلمة الحق والهداية ، حفاظا على مراكزهم وقواهم ومكانتهم بين الأتباع.
فلما أتى موسى عليهالسلام بالحق ، أي بالبرهان القاطع الدال على أن الله أرسله إلى فرعون وقومه ، بمعجزاته الظاهرة ، قال الطغاة : عودوا إلى قتل الذكور. وترك النساء أحياء ، لئلا يكثر جمعهم ، ويضعف شأنهم ، وما مكر الكافرين وقصدهم تقليل خصومهم إلا في ضياع وذهاب سدى ، لا فائدة منه.
وقال فرعون لقومه : دعوني أقتل موسى ، وليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إليهم ، فليمنعه من القتل إن قدر على ذلك.
وسبب القتل : أني أخشى عليكم يا شعب مصر أن يغير منهاج دينكم الذي أنتم عليه من عبادتي وعبادة الأصنام ، ويدخلكم في دينه الذي هو عبادة الله وحده ، أو أن يوقع بين الناس الخلاف والفتنة والإفساد ، فتكثر الخصومات والمنازعات.
والظاهر من هذا الموقف لفرعون : أنه بهر بآيات موسى ومعجزاته ، وانهدّ ركنه ، واضطربت معتقدات أصحابه ، فلجأ إلى التهديد بالقتل. وهذا سلاح الجبّارين المتمكنين من إنفاذ أوامرهم. فإذا اعتز فرعون بجبروته وبطشه وقوته ، فإن موسى عليهالسلام اعتصم بالله تعالى ، وقال داعيا ربه لما سمع قول فرعون وتهديده له بالقتل لأنه كان معه في مجلس واحد : إني استجرت بالله ، وعذت به من شره وشر أمثاله من كل متعاظم متعال مستكبر عن الإذعان للحق ، كافر مجرم لا يؤمن باليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء.