ويشاهدوا آثارهم القائمة في ديارهم نتيجة العقاب والتعذيب ، مع أنهم كانوا أكثر من مشركي قريش عددا ، وأقوى منهم أجسادا ، وأوسع منهم أموالا ، وأبقى في الأرض آثارا بالمباني والقصور والحصون والمزارع والسدود ، فلما حلّ بهم العذاب ، لم ينفعهم مالهم ولا أولادهم ، ولا أغنى عنهم كسبهم ولا حالهم شيئا ، حين جاءهم عذاب الله وأخذه.
فلما جاءت الرسل بالحجج والبراهين الواضحة الدالة على صدق نبوتهم ورسالتهم ، أعرضوا عنهم ، ولم يلتفتوا إليهم ، وفرحوا بما لديهم من العلوم والمعارف ، وهي الشبهات والضلالات الزائفة التي ظنوها علما نافعا ، وأحاط بهم العذاب من كل جانب ، ونزل بهم من العذاب الذي كذبوا به ما كانوا يستبعدون وقوعه ، استهزاء وسخرية. وهذا كقوله تعالى : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الروم : ٣٠ / ٧].
ثم أخبر الله تعالى عن حالة بعض أولئك المعذبين الذين آمنوا بعد تلبّس العذاب بهم فلم ينفعهم ذلك. إنهم حينما عاينوا وقوع العذاب بهم ، صدقوا بالله ووحّدوه ، وكفروا بمعبوداتهم الباطلة التي اتخذوها شركاء لله ، وهي الأصنام ، فلم ينفعهم إيمانهم شيئا عند معاينة العذاب وشدة الانتقام ، لأنه إيمان اليأس والإلجاء والقهر ، فهو إيمان قسري عن إكراه فلا يقبل ، لأنه في تلك الحال لا يبقى مجال للتكليف وقبول الإيمان.
ثم ذكر الله تعالى حكمه العام في الأمم ، وهو أن هذا العذاب هو حكم الله وطريقته في جميع من تاب عند معاينة العذاب بأنه لا يقبل ، وخسر الكافرون وقت رؤيتهم بأس الله ومعاينتهم لعذابه ، والكافر خاسر في كل وقت ، ولكن يتبين لهم خسرانهم إذا رأوا العذاب.