والمعنى : أظن الناس بعد إيجادهم أنهم متروكون بغير اختبار بمجرد قولهم : آمنّا بالله ورسله ، وهم لا يمتحنون بالتكاليف الشرعية كالجهاد في سبيل الله ، والهجرة من مكة إلى المدينة ، وأداء الفرائض البدنية كالصلاة ، والمالية كالزكاة ، والتعرّض للمصائب في الأنفس والأموال ، ومجاهدة أهواء النفس والشيطان ، بالامتناع عن المعاصي والموبقات؟! وهذا استفهام إنكاري ، معناه أن الله تعالى لا بد من أن يبتلي عباده المؤمنين ، للتحقق من مدى صدق إيمانهم وقوة يقينهم. قال مجاهد وغيره : نزلت هذه الآية مؤنسة ومعلمة أن هذه السيرة هي سيرة الله تبارك وتعالى في عباده ، اختبارا للمؤمنين وقتئذ ـ وفي كل وقت ـ ليعلم الله الصادق ويرى ثواب الله تعالى له ، ويعلم الكاذب ويرى عقابه إياه. وهذه الآية وإن نزلت لهذا السبب ، فهي بمعناها باقية في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، موجود حكمها بقية الدهر.
وسببها الخاص إيناس المؤمنين الأولين الذين تعرّضوا لإيذاء كفار قريش وتعذيبهم على الإسلام ، فكانوا يتضايقون بذلك. لكنهم في هذا مطالبون بالصبر كمن أوذي ممن قبلهم.
وهذا ما أبانته الآية الآتية ، فتالله لقد امتحنا واختبرنا المؤمنين السابقين ، بل والأنبياء المتقدمين بألوان الأذى والشدة والضّرر ، ليعلم الله علم ظهور وانكشاف ، بأن يظهر الله علمه فيهم ، ويوجد ما علمه أزلا ، لا علما يسبقه جهل ، لأن الله عالم بكل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل ، ليعلم الذين وجد منهم الصدق ، والقائمين على الكذب. والتعبير بقوله : (الَّذِينَ صَدَقُوا) في حقّ المؤمنين ، وبقوله : (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) في حقّ الكافرين ، للدلالة في هؤلاء الكفرة على الثبات والدوام. بل أظن الذين يقترفون المعاصي أن يسبقوا عقاب الله تعالى ثم يفوتونه ، ويعجزونه؟! بئس الحكم حكمهم ، بأن يعصوا ويخالفوا أمر الله ، ثم يفلتون من العقاب ، إنه حكم خطأ ، يناقض مقتضى العقل والشرع والعدل.