وقوله تعالى : (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) إياي : منصوب بفعل مقدر يدلّ عليه الظاهر ، تقديره : فإياي اعبدوا فاعبدون ، على الاهتمام أيضا في التقدير.
ولا خوف من الهجرة والانتقال في البلاد ، فإن الموت كائن لا محالة لكل نفس ، في كل مكان ، ثم إلى الله المرجع والمآب ، أي إن المكروه لا بد من وقوعه ، في داخل الوطن أو خارجه. وهذه الآية (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ..) تحقير لأمر الدنيا ومخاوفها ، من أجل أن بعض المؤمنين تخوّف في حال خروجه من وطنه أن يموت أو يجوع ونحو هذا ، فحقّر الله تعالى شأن الدنيا ، والمراد : أنتم لا محالة ميتون ، ومحشورون إلى الله تبارك وتعالى ، فالبدار إلى طاعة الله تعالى والهجرة إليه أولى بالامتثال.
ثم وعد الله المؤمنين العاملين بسكنى الجنة ، تحريضا منه تعالى ، وذكر الجزاء الذي ينالونه ، فالذين صدقوا بالله ورسوله ، وعملوا صالح الأعمال بالتزام أوامر الله واجتناب نواهيه ، لينزلنّهم الله منازل عالية في جنات ، تجري الأنهار من تحت أشجارها ، على اختلاف أصنافها من ماء وخمر غير مسكرة ، وعسل مصفى ، ولبن ، ماكثين فيها أبدا على الدوام ، جزاء لهم على أعمالهم الطيّبة ، نعم هذا الجزاء جزاء العاملين المخلصين.
ثم وصف الله تعالى العاملين بالصبر على أداء الطاعات وعن الشهوات ، والتوكّل على الله وتفويض الأمور إليه في جميع أحوالهم الدنيوية والأخروية ، والصبر والتوكّل يجمعان الخير كله.
والذي يعين على الهجرة ويحرّض عليها ضمان الله أرزاق العباد ، لأن بعض المؤمنين فكّر في الفقر والجوع الذي يلحقه في الهجرة ، فأبان الله تعالى أن الرزق مكفول بيد الله لكل مخلوق ، فكم من دابّة (كل ما يدبّ على الأرض) لا تطيق حمل