إنها لام (كي) للتعليل على سبيل التهديد ، أي يشركون ليبقوا كافرين ، منعمين بالوثنية ، مثل قوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ).
ثم عدّد الله تعالى على كفرة قريش نعمته ، ومنها أمانهم في مكة البلد الآمن الحرام ، من غير تعرّض لقتل ونهب وسلب ، فجدير بهم شكر هذه النعمة ، مع أن الناس كانوا يتخطّفون من كل مكان حولهم ، ثم قرّرهم الله على حالهم على جهة التوبيخ ، وهي إيمانهم بالباطل وهو الأوثان ، وكفرهم بالله ونعمته ، إنه تقرير لواقع ووصف له ، لا على سبيل الرّضا به ، وإنما التّنديد به.
ثم إنهم أظلم الناس ، وقد أعلمهم الله أنه لا أحد أظلم منهم ، وفي ذلك وعيد شديد ، فهم أحقّ الناس بالعقاب ، إذ لا أحد أشد عقوبة ممن كذّب على الله بالشّرك ، ولزم تكذيب كتابه ورسوله ، أليس لهم مقر عقاب؟! أليست جهنم هي مثوى ومأوى جميع الكافرين؟! إن هذا التهديد والوعيد بهذه الألفاظ الموجزة الجامعة للمعاني الكثيرة لا نظير له في عالم التحذير والإنذار ، والفحوى بيان عاقبة المشركين الكافرين.
أما عاقبة المؤمنين : فهي الظفر بجنان الخلد والرضوان ، فالذين جاهدوا أنفسهم وأطاعوا ربّهم ، ونصروا دين الله وكتابه ورسوله ، وقاتلوا المعتدين المكذبين بالحق ، إنهم هم الذين هداهم الله ووفّقهم إلى طريق الجنة ، وسبيل السعادة والخير ، في الدنيا والآخرة ، والله دائما مع المحسنين أعمالهم بالنصرة والتأييد ، والحفظ والرعاية.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) أي من أجل إرضائنا وعلى هدي قرآننا. إن هذه المقارنة بين أحوال العصاة والكافرين ، وأحوال الأتقياء والطائعين ، تبيّن تباين الحالين ، وفرق المصيرين ، إنه فرق شاسع ، ووضع متباين ، أهل الشّرك والكفر في نيران تتلظّى بهم ، وأهل الإيمان والطاعة في جنان ونعم يتمتعون بها وينعمون في ظلالها ، فما أنعم حال السعداء ، وما أشقى حال الأشقياء؟!