وقد فرّق ـ كما ترى ـ بين استعمال الماء المضر ، واستعمال المحرج ، فحكم بالبطلان في الأوّل دون الثاني ، مع أنّ الدليلين من واد واحد. ولذا استشكل على الصحّة عند الحرج بعض الأعلام فحكم بضمّ التيمّم لو توضّأ وضوءاً حرجياً.
ومن هذا الباب الشيخ والشيخة إذا كان الصوم عليهما حرجياً لا متعذّراً ، ومثله من به داء العطش لا بحيث لا يقدر على الصبر بل على وجه يكون فيه مشقّة.
ومنه أيضاً الحامل المقرب التي يضرّها الصوم أو يضرّ بحملها ، والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ بها الصوم أو أضرّ بالولد. فهل يجب الإفطار والتكفير ، أو يجوز الصوم؟
احتمالان مبنيان على أنّ الرفع عزيمة أو رخصة. فلاحظ هذه المسائل في كتب القوم مفصّلها ومختصرها.
ولكن الحقّ هو الأوّل ، لما عرفت من أنّ قوله «لا ضرر» إخبار عن عدم الضرر في الخارج. ومن المعلوم أنّ الأخبار عن عدمه مع شيوعه كذب لا يصدر عن المعصوم ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، فيحتاج إلى مصحّح وهو أنّ الشارع لمّا نظر إلى صفحة التشريع رأى خلوها عن أي تشريع ضرري فصار ذلك سبباً لأخباره بعدم الضرر ، كما إذا وضع مدير المدرسة ضوابط لها ، فإذا رأى تخلّفاً من أحد يقول : «لا فوضى ولا هرج» مخبراً عن عدمهما مع وجودهما. والمصحّح لقول المدير خلو قانون المدرسة عن أي عمل يخالف النظم. ولا يصح هذا الاخبار إلّا أن يكون الالتزام بها ضرورياً وواجباً ، لا سائغاً وجائزاً.
وبعبارة أُخرى : لو وجد في برنامجه ما يجوز الفوضى واللانظام ، لما صحّ له الهتاف بانّه «لا فوضى ولا هرج».
ومن هنا يعلم أنّ الشارع الحكيم إذا قال هاتفاً : «لا ضرر» مخبراً عن نفي الضرر في الخارج ، لا يصحّ هذا الهتاف منه إلّا إذا كان صعيد التشريع خالياً عن