يكون فعل الاثنين لكنّه ليس بتام كتفسيره بالجزاء عليه ، لما عرفت من الآيات الناهية عن الضرار ، ولم يكن الفعل هناك إلّا من جانب واحد ، قال سبحانه : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) (التوبة / ١٠٧) ، فكان الاضرار من جانب المنافقين فحسب ، كما لم يكن هنا اضرار من باب الجزاء أصلاً. وقال سبحانه : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) (البقرة / ٢٢١) ، والمقصود رجوع الزوج إلى المعتدة بقصد الاضرار. وقال سبحانه : (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) (الطلاق / ٦) ، أي لا تضيّقوا عليهنّ بالنفقة.
وقال عزّ من قائل : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (البقرة / ٢٨٢) ، ولم يكن هناك إلّا اضرار من جانب واحد لا من الجانبين ، كما أنّ الضرر الواقع لم يكن إلّا ابتدائياً لا مجازاة.
ويؤيّده ما قاله النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في مورد سمرة ، إذ لم يكن من الأنصاري إلّا الشكوى لا الاضرار الجزائي ولا غيره.
وما اشتهر من كون باب المفاعلة فعلاً للاثنين ، هو أن يكون كل من الفاعلين ، فاعلاً ومفعولاً مثل «ضارب زيد عمراً» ، غير تام ، لما عرفت عدم ثبوت ذلك ، وأنّه ربّما يكون الفعل وارداً من جانب واحد دون الآخر.
ثمّ إنّ الظاهر من المحقّق الخوئي (قدسسره) أنّ المقصود من كون باب المفاعلة للطرفين هو أن يصدر الفعل من واحد ويقع على الآخر فقط. ثمّ حاول ردّ ذلك وقال :
«إنّ هيئة المفاعلة وضعت لقيام الفاعل مقام إيجاد المادّة وكون الفاعل بصدد إيجاد الفعل ، وأقوى شاهد على ذلك هي الآيات الشريفة القرآنية :
فمنها قوله سبحانه : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) (البقرة / ٩).