فذكر سبحانه وتعالى أنّ المنافقين بصدد إيجاد الخدعة ، ولكن لا تقع خدعتهم إلّا على أنفسهم ، ومن ثمّ عبّر في الجملة الأُولى بهيئة المفاعلة ، لأنّ الله تعالى لا يكون مخدوعاً بخدعتهم ، لأنّ المخدوع ملزم للجهل ، وتعالى الله عنه علوّاً كبيراً. وعبّر في الجملة الثانية بهيئة الفعل المجرّد ، لوقوع ضرر خدعتهم على أنفسهم لا محالة.
ومنها : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ، يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ...) (التوبة / ١١١) (١).
يلاحظ عليه :
أوّلاً : انّ المراد من كون هيئة المفاعلة فعلاً للاثنين هو كون كلّ فاعلاً ومفعولاً ، لا كون واحد فاعلاً ومُورِداً والآخر مفعولاً ومورَداً عليه ، حتى يردّ بقوله سبحانه : (يُخادِعُونَ اللهَ) وإنّ الله لا يكون مخدوعاً بخدعتهم.
فهذا سعد الدين التفتازاني يقول في شرح التّصريف : «وتأسيسه على أن يكون بين اثنين فصاعداً يفعل أحدهما بصاحبه ما فعل الصّاحب به ، نحو «ضارب زيد عمراً». (٢)
وقال الرّضي ـ بعد كلام ـ في الفرق بين بابي «فاعَلَ» وَ «تَفاعَلَ» : والأولى ما يقول المالكي ، وهو أنّ «فاعَلَ» لاقتسام الفاعليّة والمفعوليّة لفظاً والاشتراك فيهما معنىً ، و «تفاعَل» للاشتراك في الفاعلية لفظاً وفيها وفي المفعوليّة معنى». (٣)
فإذا تبيّن معنى كون الباب فعلاً للاثنين ، يجب أن يركّز الردّ على هذا المعنى الّذي ذكره أئمّة الصرف لا على المعنى الّذي لم يذكروه.
أضف إلى ذلك : أنّ الاستدلال بالآيتين على ما اختاره من المعنى وإن كان صحيحاً ، لكنّهما لا تدلّان على خلاف ما هو المشهور بين الصرفيّين من قيام كلّ
__________________
(١) مصباح الأُصول ، ج ٢ ، ص ٥٢٣.
(٢) شرح التصريف من كتاب جامع المقدمات ص ٧٤ (بخطّ طاهر خوشنويس).
(٣) شرح الكافية ص ١٠٠.