وإلى المنصب الأوّل يشير قوله سبحانه : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (الأحزاب / ٣٩). وليس للرسول الكريم في هذا الموقف أمر ولا نهي وإنّما هو مذكّر ، ليس عليهم بمسيطر ، وظيفته الابلاغ والبيان.
وإلى المنصب الثاني يشير قوله سبحانه : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب / ٣٦) والمراد من القضاء ، والأمر والنهي اللذان يناسبان مقام الامارة والسلطنة الموهوب له من الله تعالى فبعد تنصيبه في هذا المقام يصدر أمره ونهيه حسب المصالح ، ويجب على الأُمّة طاعته.
وإلى المنصب الثالث يشير قوله سبحانه : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء / ٦٥).
فهذه المقامات الثلاثة ثابتة للنبيّ الأكرم بهذه النصوص القرآنية. ثمّ إنّها قد تجتمع في غيره صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد تفترق ، قال سبحانه : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة / ٢٤٧) ، فكان لطالوت الحكم والسلطة فقط دون النبوّة والرسالة ، لمصلحة وقتية اقتضت ذلك.
الثاني : كلّما ورد في الأثر الصحيح أنّ الرسول أمر بشيء أو حكم أو قضى به ، فالظاهر منه أنّ هذه الأحكام صدرت منه بما له من منصب الحكم والقضاء لا بما أنّه رسول مبلّغ لأحكام الله ورسالاته ، إذ ليس له في هذا الموقف أمر ولا نهي ولا حكم ولا قضاء فكيف يصحّ له أن يأمر وينهى؟ ولأجل ذلك ترى أمثال هذه التعابير في حياة الرسول والوصي دون سائر الأئمّة ، لأنّ الظروف لم تسمح لهم