والثاني : قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) ، أي : ثم استوى الهواء والجو الذي بين الأرض والسماء إلى السماء ما لو لا ذلك الهواء لم تستو ؛ لأن السماء لو كانت ملتزقة بالأرض لا هواء بينهما لكانت لا تخرج ما جعل في الأرض من الأقوات والمعايش ، فبالهواء استوى ذلك ، والله أعلم.
ومنهم من يصرف الاستواء إلى الله ـ عزوجل ـ ومعنى ذلك : استوى أمره وملكه بخلق السماء ، أو استوى المقصود بخلق الأرض وأهلها وما فيها بخلق السماء.
وأما التأويلان اللذان ذكرناهما يتوجهان إلى غير ذلك : أحدهما : رجع إلى استواء الهواء ، والثاني : إلى استواء ما جعل في الأرض ، وعلى هذا يخرج ما سئل ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ عند ما روي أن رجلا سأل ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ فقال : «قرأت آيتين إحداهما تخالف الأخرى ، فقال له : من قبل رأيك أتيت ، ما هما؟ فقال ذلك السائل : قوله ـ تعالى ـ : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) إلى قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) ، وقوله تعالى : (السَّماءُ بَناها) [النازعات : ٢٧] إلى قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النازعات : ٣٠]» ، فمراد السائل أن ظاهر الآية الأولى أنه خلق الأرض في يومين قبل خلق السماء ، وفي ظاهر الآية الثانية : أنه خلق السماء ثم خلق الأرض ، فقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : «خلق الله تعالى الأرض قبل أن يخلق السماء ، فدحى الأرض بعد ما خلق السماء ، والله أعلم» ، أراد به : بسط الأرض بعد خلق السماء ، فأما خلق أصل الأرض قبل خلق السماء.
وعندنا أن ليس [بين] ظاهر هاتين الآيتين مخالفة ، ولا فيه بيان أنه خلق الأرض قبل السماء ولا هذا بعد هذا ؛ لأنه ذكر هاهنا أنه خلق الأرض في يومين ثم قال : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) ذكر الاستواء إلى السماء ليس فيه أنه خلقها بعد خلق الأرض ، بل فيه أنما استوى إليها بعد خلقها وليس فيه إثبات خلقها قبل ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (وَهِيَ دُخانٌ).
قال بعضهم : دل قوله : (وَهِيَ دُخانٌ) على أنه كان هناك نار حتى خلق السماء بدخانها ، لكن لا نعلم ذلك إلا بالسمع.
ويحتمل أن يكون قوله : (وَهِيَ دُخانٌ) ، أي : شبه الدخان ، لا حقيقة الدخان ، ومنه خلق السماء والأرض.
وقوله : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)
قال بعضهم (١) في قوله : (ائْتِيا) : أعطيا ما جعل فيكما من المنافع والأقوات طوعا أو
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٠٤٥٣).