وقوله : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً).
جائز أن يكون استكبارهم في الأرض بغير الحق على أهل الأرض بما ذكروا من فضل القوة لهم وشدتها من بين غيرهم ؛ كقوله تعالى : (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) فهم ذكروا ذلك ، فجائز أن يكون استكبارهم على أهل الأرض بغير الحق ؛ لشدة بطشهم وقوتهم على غيرهم.
ويشبه أن يكون استكبارهم [رفض] اتباع الرسل ، فلم يروا أنفسهم أن يجعلوها تحت تدبير الرسل وأمرهم ، وأن يخضعوا لهم ويستسلموا لما دعوهم إليه ، وقالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً).
ثم قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً).
هذا استفهام على طريق التقرير ، معناه : قد رأوا وعلموا أن الله الذي خلقهم هو أشد قوة ، والرسل ـ عليهمالسلام ـ لم يكونوا يوعدونهم بقوى أنفسهم ولا بعذاب يكون منهم حتى قالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) ، ولكن إنما كانوا يوعدونهم ويخوفونهم بعذاب ينزل من عند الله ، وبقوته وسلطانه يوعدونهم وقد عرفوا قوته وسلطانه ؛ لذلك قال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ).
وقوله : (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ).
دل هذا على أنهم قد كذبوا هودا ، وأنكروا آياته ، وذلك قولهم : (يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) [هود : ٥٣] وإنه قد أتاهم بآيات رسالته.
وقوله : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً).
ذكر ما أهلكهم من العذاب ، وهو الريح الصرصر الباردة ؛ كذا قال أبو عوسجة.
وقوله : (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ).
وهو ما ذكر في سورة الحاقة حيث قال : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ* سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) [الحاقة : ٧] ، وقال في موضع : (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) [القمر : ١٩]. ثم اختلف في تأويلها :
قال بعضهم (١) : (نَحِساتٍ) مشومات نكدات ؛ وهذا قول القتبي.
وقال بعضهم (٢) : (نَحِساتٍ) أي : شداد.
وقيل : (نَحِساتٍ) من النحس ، يقال نحس يؤمنا ، والنحس : الغبار في الأصل.
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٠٤٧٠) ، وهو قول مجاهد والسدي.
(٢) قاله الضحاك أخرجه ابن جرير (٣٠٤٧٣).