وقوله : (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ).
قوله : (دارُ الْخُلْدِ) ، أي : دار البقاء يبقون فيها أبدا ، فيكون اسما للجنة ، ويحتمل أن يكون في الجنة دار أو موضع يسمى : دار الخلد فيكون اسم موضع خاص ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ).
قال بعضهم (١) : الذي أضلهم من الجن هو إبليس ؛ لأنه أول من عصى الله تعالى وسن لهم ذلك ، ومن الإنس ولد آدم الذي قتل أخاه ؛ لأنه أول من سن القتل ، ولكن عندنا أنهم سألوا أن يريهم الذي أضلهم كل جني يوسوس ويقذف في قلوبهم الوساوس والمساوي ، وكل إنسي يدعوهم ظاهرا إلى الضلال ، وهكذا كل ضال وكافر إنما كان ذلك الضلال والكفر لوساوس من جني أو تلقين من إنسي بلسانه. سألوا الله تعالى أن يجعلهم ظاهرين فيجعلوهم تحت أقدامهم ؛ لما يكون العذاب في كل ما كان أسفل أشد ؛ لذلك سألوا ذلك وهو ما سألوا ربهم زيادة العذاب لهم في آية أخرى حيث قال : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) [الأعراف : ٣٨].
وقوله : (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) [ص : ٦١] فعلى ذلك سؤال هؤلاء.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٣٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا).
روي عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزلت هذه الآية قال : «أمتي أمتي ؛ لأن اليهود قالوا : ربنا الله ، ثم قالوا : عزيز ابن الله ، وأن النصارى قالوا : ربنا الله ، ثم قالوا : المسيح ابن الله ، وأن أمتي قالوا : ربنا الله ، ولم يشركوا به أحدا» ، وكذلك روي عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) قال : «هم الذين لم يشركوا بالله شيئا» (٢) فإن ثبت ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ فهو تفسير الاستقامة التي ذكر ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله علي بن أبي طالب أخرجه ابن جرير (٣٠٥١١ ـ ٣٠٥١٢ ـ ٣٠٥١٣ ـ ٣٠٥١٤).
(٢) أخرجه ابن جرير (٣٠٥١٧ ـ ٣٠٥٢٠) ، وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور ومسدد وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٥ / ٦٨١).